اتصل بنا
حالة الطقس في العراق
حالة الطقس في العراق
الطقس في العراق
الأمطار في العراق
المطر في العراق
المطر في بغداد

السعودية تعتقل داعية بعد رفضه 'ذبح' الحياء وجلب 'شذاذ الآفاق' لبلاده

السعودية تعتقل داعية بعد رفضه 'ذبح' الحياء وجلب 'شذاذ الآفاق' لبلاده
العالم

الإجراءات “الصارمة” التي اتبعتها السلطات السعودية مع خطيب جامع كان قد هاجم عمل المرأة، واستخدم ضدها مثل التشكيك بعفتها، حيث تم اعتقاله، وتحويله إلى التحقيق، فالرجل بحسب وزير أوقاف بلاده، قد تجاوز وتطاول، هذه الإجراءات يبدو أنها لم تمنع أو تردع فيما يبدو الداعية السعودي عمر المقبل هو الآخر عن انتقاد هيئة الترفيه في بلاده، حيث اعتبرها طريقا لسلخ المجتمع عن هويته، وتجلب سخط الله.

الجميع في العربية السعودية، يدركون تماما، أن انتقاد الشيخ المقبل، موجه لصاحب الرؤية الأمير محمد بن سلمان، وإن كان لم يوجه انتقادا مباشرا له، لكن الشيخ المذكور قالها بصراحة في فيديو مرئي متداول لخطبته، أنه ضد ذبح الحياء باسم الترفيه، وانتقد صراحة جلب ما أسماهم “شذاذ الآفاق” إلى بلاده، وهم الفنانون الذين سمحت لهم هيئة الترفيه برئاسة المستشار تركي آل الشيخ القدوم إلى أراضي المملكة للغناء، والرقص، وذلك بعد أن كان الغناء بحد ذاته “حراما”.

الشيخ المقبل، بدا وكأنه بداية ظاهرة بدأت تتكرر، وإن على استحياء أو خوف، وبحكم إجراءات الاعتقال التي تباشر بها السلطات ضد صاحب أي انتقاد، لكن تلك الإجراءات التي يعتبرها نشطاء تعسفية، ولا تتناسب مع ادعاءات المملكة بحرصها على الرأي وأصحابه، وتعدده، لا يبدو أنها كافية لتحقيق ردع التطاول على الترفيه، والانفتاح، وأصحابه.

الشيخ المقبل الذي اعتقل، لم تشفع له إشارته في حديثه أنه ليس ضد الترفيه فيما لو كان ضمن الضوابط الشرعية، بدا للبعض في الأوساط السعودية أنه يستنهض همم التيار الإسلامي، ويرغب بعودة سطوة المؤسسة الدينية، والتي “تبخرت” صلاحياتها في يوم وليلة بفعل رؤية 2030، وهو كما بدا من حدة انتقاده، واتهاماته بسلخ الحياء، غير عابئ بالاعتقال، أو أنه ظن أنه يمارس فن التلاعب بالكلمات، حين حاول الإقرار بأنه ليس ضد الترفيه، أو اعتقد كما يلحظ معلقون، أنه يمارس “نقدا ناعما” لسلطات بلاده، أملا في إحداث تغيير يذكر، ودون عقاب.

السلطات السعودية تؤكد هنا، أن لا صوت يعلو فوق صوت الترفيه والانفتاح، وكما ينقل حساب “معتقلي الرأي” على “تويتر” المعني بمتابعة أخبار المعتقلين، فقد تأكد اعتقال الداعية عمر المقبل، وهو الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة القصيم، ويبدو أن الاعتقال جاء على خلفية إبداء رأيه “الصريح” بهيئة الترفيه، وهو بذلك ينضم إلى قائمة طويلة من المعتقلين الإسلاميين من مشائخ، ودعاة.

التفكير السائد في الأوساط السعودية اليوم، وبعد تكرر حالات استغلال المنابر الدينية لانتقاد الترفيه وتحرر المرأة، هو حول تلك الجرأة التي لا يزال يتمتع بها بعض الصاعدين على المنابر، وفي محاولة منهم لتحويلها إلى ظاهرة متكررة، رغم كل الإجراءات القاسية، والصارمة التي نالت من رموز التيار الإسلامي الأبرز “الصحوة”، وعلى رأسهم الشيخ سلمان العودة، والمعتذر عن صحوته مؤخرا الشيخ عائض القرني، وحالات التهميش التي نالت الشيخ محمد العريفي، وغيرهم الكثير، فيما تبدو إجراءات الاعتقال غير رادعة للمنتقدين بحدها الأدنى على الأقل.

الموالون للدولة السعودية، لا يزالون يتعاملون مع حالات انتقاد الترفيه من على منابر المساجد، كحالات فردية رغم تكررها في أقل من شهرين، ويقللون من تأثيرها ككل على المجتمع السعودي، وخاصة الصاعد، والشبابي منه، والمصطف بالطوابير لحضور حفلات الفنانين، أو من وصفهم الشيخ المقبل ذاته بشذاذ الآفاق، فأين هو الاعتراض الشعبي الذي سوف يعاود التماشي مع تلك الحالات الفردية “الشاذة”، والتي تحاول إعادة البلاد إلى عصر الصحوة، يتساءل الموالون.

في العربية السعودية، ليس من إحصائيات علمية مثبتة تستطيع الجزم بأن روح الانفتاح والترفيه هي بالفعل من يريدها الشارع، لأن في تلك البلاد كما يعلل مراقبون محايدون لا يوجد مراكز دراسات تستطيع الخروج أو عمل استبيان حقيقي يدرس حقيقة رأي الشارع السعودي، وعادة ما يتم تشكيل الرأي العام في المملكة من خلال الإعلام المحلي، ومنصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها “تويتر”، وهي منصات تديرها في الغالب جيوش إلكترونية، وتتلاعب فيها كما يتهمها نشطاء، ويصفوها بالذباب الإلكتروني.

لعله كما يرى متابعون للشأن السعودي، ليس بالصراع المحتدم بين التيار الإسلامي، والليبرالي، لأن الدولة في عهدها الحالي أخذت على عاتقها اختيار التوجه الليبرالي الانفتاحي، لكن ومع هذا لا يستطيع البعض إغفال حالة عدم قدرة السلطات على ضبط واقع المنابر الدينية، وخطبائها، ومدى تأثيرها في رواد المساجد للصلاة، فالسلطات لن تستطيع منع إقامة الصلوات الخمس، وليس كل الخطب “النقدية” سيجري توثيقها كما جرى في حالة الشيخ الذي انتقد عمل المرأة ووثقت خطبته ناشطة عبر حسابها، والثانية في وقت قريب حالة انتقاد الشيخ المقبل الذي جرى تداول خطبته على نطاق واسع.

وعليه، ربما تتحول حالة النقد إلى عمل جماعي صامت، يرجى منه إعادة البلاد إلى وضعها السابق، مع وجوب الإشارة إلى أن الانضباط الديني، ورجاله، لا يزالون يحظون ببعض التعاطف فيما تبقى من إعلام إسلامي رسمي أو خاص “ينازع”، فالشيخ عمر المقبل، جرى تصدر اسمه بعد اعتقاله على “تويتر”، وجرى تغيير اسم وسمه (عائلته) للتشتيت، وعدم استغلال التيارات الإسلامية اعتقاله، للتعاطف الشعبي مع حالته التي قد تتحول إلى ظاهرة نقدية تجوب البلاد على وقع الترفيه الذي وصل إلى ذروته التحررية كما يقول منتقدون.

السؤال المطروح أخيرا، هو عن كيفية إغلاق السلطات السعودية لملف المعتقلين، وتحديدا الإسلاميين منهم، فآخر الأنباء القادمة من هناك تقول، أن بعض المعتقلين قد ساءت حالتهم الصحية، أو غادروا إلى رحمة ربهم، أما آخرين فقد رفضوا التفاوض معهم مقابل إقرار بقبول عصر الترفيه، ويواجه آخرون عقوبة الإعدام، فيما تتزايد الانتقادات، والمطالبات الدولية للإفراج عنهم.

الداخل السعودي على صعيد “الترفيه” في العهود القديمة، كان معتادا على حفلات بعض النجوم الخليجيين أمثال الفنان محمد عبده، وقلة من زملائه السعوديين كراشد الماجد، وعبد المجيد عبد الله، ورابح صقر، وكانت تلك الحفلات متباعدة الزمان والمكان، ومحصورة بالرجال الحاضرين، ودون الاختلاط أبدا مع النساء أو “الحريم” المحرومين بدورهم من تلك الحفلات الغنائية على حد التوصيفات المحلية، وحتى تبقى تلك الحفلات ضمن الضوابط الشرعية، ولا تتعرض بالحد الأدنى لنقد المؤسسة الدينية التي كانت في أوج قوتها ونفوذها وصلاحياتها حتى نهاية عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، كما وتفاديا أيضا لاستفزاز المشاعر الشعبية، والتيارات الإسلامية المتشددة، التي نشأ أغلبها ضمن ضوابط الصرامة الدينية.

الحفلات اليوم والنشاطات الفنية، وفي عهد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده، بدأت تسلك طريقا مختلفا تماما، فبدأت بالإعلان عن نشاطات ذات طابع فني صارخ من العروض الفنية الغربية، وحتى وصولها إلى إقامة حفلات لفنانين عرب، وأجانب، كان آخرهم الفنان العراقي كاظم الساهر، بالإضافة إلى فنانات غربيات يوصفن بالجرأة، مثل الأمريكية ماريا كاري، والإباحية نيكي ميناج التي رفضت بدورها تلبية الدعوة، لاعتراضها على مصادرة حقوق المرأة في المملكة النفطية.

من الناحية الشرعية التي يرفضها أمثال الشيخ المقبل وغيره، تم الاستمرار العمل بصيغة الالتزام بالضوابط الشرعية التي منها عدم التمايل، والاختلاط المباشر بين الرجال والنساء، والاستعاضة بهيئة الترفيه، بدلا من هيئة المعروف والمنكر الشهيرة، وهي الحالة التي لا تزال تثير جدلا بين السعوديين، وتحدث شقاقا بين الراغبين بها، والساخطين عليها، فيما لا تزال تؤكد القيادة السعودية أن عصر الترفيه لم يواجه اعتراضا يرقى لمستوى “مقاومة”، وإنما بعض “الاعتراضات” التي يتساءل منتقدون للسياسات عن الغاية إذا من مواجهتها بالاعتقالات بدل اعتبارها حالة طبيعية صحية في سياق الرأي والرأي الآخر.

رأي اليوم- خالد الجيوسي

سجل بريدك الإلكتروني لتلقى أهم الأخبار
المزيد من الأخبار
أخبار مواقع حكومية