صراعات حزبية و تغيرات مرتقبة.. هل ترسم انتخابات إقليم كردستان خارطة سياسية جديدة؟
تأجلت الانتخابات التشريعية المحلية في إقليم كردستان لنحو عامَين بسبب خلافات سياسية، ويستعدّ الإقليم لاقتراع يجري نهاية الأسبوع وسط تحديات اقتصادية وأمنية في ظلّ هيمنة حزبين يتنافسان منذ عقود على السلطة. وأعلنت سلطات الإقليم إجراء الانتخابات التشريعية في 20 تشرين الأول/ أكتوبر لاختيار مائة عضو للبرلمان، وذلك بعدما كان الاقتراع مقررا في خريف 2022 ثم تأجل أربع مرات.
شهدت مدن إقليم كردستان حملات دعائية كبيرة شاركت فيها قيادات الأحزاب الكردية والمرشحين للتعريف ببرامجهم الانتخابية ورسم صورة للدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان العراق في ظل حالة التنافس التقليدية الكبيرة بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني والإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، إضافة إلى أحزاب أخرى طامحة للتنافس على مقاعد البرلمان.
وتجري الانتخابات في ظل استياء شعبي من هيمنة الحزبين الرئيسيين على السلطة منذ عقود وانحصار قيادة هذه الأحزاب ضمن أسر معينة.
يقول الصحفي مكي ريفند لـ DW عربية إن التعدد في القوائم الانتخابية أثار مخاوف الأحزاب الكبيرة "والمفاجئ في الانتخابات هذه المرة انقلاب حزب الاتحاد الكردستاني على حليفه الديمقراطي الكردستاني، خلال الحملة الانتخابية واتهمه بالفساد والمحسوبية وعدم توفير العدالة الاجتماعية والابتعاد كليا عن الممارسة الديمقراطية".
وكان بافل طالباني قد قال في كلمة بساحة في أربيل إن "الاتحاد الوطني وحده يمكنه التغيير في مسار الحكم وإنهاء الحكم التسلطي وإعادة التوازن إلى العملية السياسية"، وإنه "يريد حماية أخلاقيات المجتمع"، بحسب مصادر إعلامية .
ويرى ريفند أن الخطاب خلال الحملات الانتخابية كان صريحا هذه المرة وكسر كل الحواجز، يضيف مكي : "الكلام الذي قاله رئيس حزب الاتحاد الكردستاني لم يقله أحد من قبل".
ويرى أن الانتخابات هذه المرة "ستهدد هيمنة الحزب الديمقراطي، وسيكون هو الخاسر الأكبر، رغم أنه يستغل كل مؤسسات الدولة خلال الحملات الانتخابية، وهو أمر لا يجوز ديمقراطيا".
يشار إلى أن رئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني قال في كلمةٍ له خلال كرنفال جماهيري للحزب الديمقراطي الكردستاني في ملعب أربيل يوم الثلاثاء (15 تشرين الأول / أكتوبر 2024) إنه " كان ينبغي إجراء هذه الانتخابات قبل عامين، لكن بعض الأحزاب استمرت في خلق العقبات، متخيلة أنها ستهزم الحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال انتخابات معدة سلفاً".
خريطة الأحزاب
إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أسرة برزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة أسرة طالباني، ظهرت كذلك أحزاب يمكن أن يكون لها تأثير في انتخابات البرلمان وتشكيل الحكومة، مثل "جبهة الموقف" بزعامة حمة صالح، و"حركة الجيل الجديد" بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد والتي تأسست عام 2017 وامتلكت تأثيرا في الساحة الكردية بفعل آلتها الإعلامية الداعمة للمظاهرات .
كذلك هناك "جبهة الشعب" التي انشقت عن الاتحاد الوطني الكردستاني ويقودها لاهور شيخ جنكي أبن اخ الرئيس العراقي الأسبق وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني، أي ابن عم بافل طالباني، والذي انشق عن الاتحاد بعد الخلاف على قيادته مع بافل طالباني. وينقل عنه قوله إن "على الأحزاب الحاكمة في الإقليم تصحيح مسار الحكم وتجاوز العقلية الاحتكارية للسلطة، وإلا فعليها أن تتنحى جانبا وتترك الفرصة لغيرها".
أما حركة التغيير "كوران" فقد كانت تمثل القوة الثالثة في الإقليم وقد احدثت تغييرا ملموسا في الخارطة السياسية في الإقليم، ونافست القوتين الرئيستين بعد عام 2009، لكنها تعاني الآن من التراجع وتقليص النفوذ بعد وفاة مؤسسها "نوشيروان مصطفى" عام 2017.
الإسلاميون ممثلون من خلال حزب "الاتحاد الإسلامي الكردستاني" برئاسة صلاح الدين بهاء الدين، الذي كان يشغل منصبا في مجلس الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين، ويشغل الحزب حاليا 4 مقاعد في بغداد، وكان يشغل 5 مقاعد في برلمان كردستان السابق. كذلك "الجماعة الإسلامية" بزعامة علي بابير، والتي حظيت بسبع مقاعد في البرلمان السابق، بالإضافة إلى "الحركة الإسلامية" و"حركة الرابطة الإسلامية".
فيما يرى مراقبون أن لهذه الأحزاب حظوظا في محافظتي دهوك وحلبجة. وفي العموم فإن الخبراء يقدرون أن نسبة الأصوات التي تذهب إلى الإسلاميين تُقدر بنحو 12 بالمئة في كردستان العراق.
المرشحون المستقلون
يصل عدد المرشحين المستقلين إلى 84 مرشحا، من المؤثرين على وسائل التواصل، وبعض الساسة المستقلين، والشخصيات العشائرية والفنانين. ورغم أنهم يمثلون طيفا يغرد خارج سرب الأحزاب الكبيرة والصغيرة ويتلقون دعما شعبيا لكن فرصهم تبدو صعبة. لأن النظام الانتخابي يعتمد على القوائم لتوزيع المقاعد وهو مفصل لصالح الأحزاب وليس للمرشحين كأفراد مستقلين.
ويقول عضو مفوضية الانتخابات السابق الاستاذ سعيد كاكائي : "المادة الثانية من توزيع المقاعد تذكر أن على الناخب أن يختار القائمة ومن ثم يختار مرشح داخل القائمة، وحين يختار مرشح فقط فإن صوت الناخب لن تكون له قيمة وهو خلل في النظام الانتخابي يجب تعديله".
كما يرى أن "صعوبة حصول المرشح المستقل على مقعد يعود أيضا إلى عدم توفر الإمكانيات المالية مقارنة بالأحزاب. الأحزاب المتسلطة تمتلك المال السياسي والسلاح الحزبي، من أول يوم بدأوا بتوجيه عناصرهم بالتصويت لمرشحي الحزب وهي حالة غير ديمقراطية" ويوضح أن المفوضية قد بلغتها هذه التجاوزات "لكن المفوضية لن تقدر على تحديد هذه التجاوزات وليس من اختصاصها، وعلى الأحزاب أن تبتعد عن تشويه الاخلاق الانتخابية". وأشار إلى أن حتى يوم (17 تشرين الأول/ أكتوبر 2024) قُدمت 44 شكوى، 23 من السليمانية ، 17 من أربيل و4 من دهوك كطعون لغرض رفعها لمجلس المفوضية لاتخاذ إجراءات قانونية".
مدى ثقة الناخبين في الانتخابات؟
"الناس بدأوا يفقدون الثقة بالديمقراطية، لأن النتائج كانت محسومة قبل الانتخابات، هذه المرة سيكون الأمر مختلفا" ، يرى مكي ريفند، فيما يرى عضو مفوضية الانتخابات السابق الأستاذ سعيد كاكائي، أن إدارة المفوضية العليا للانتخابات من المركز في بغداد للعملية ستعيد ثقة الناخبين في العملية السياسية. ويقول : "الضغوطات الدولية على الإقليم والوضع الأمني في المنطقة ستجبران القوى السياسية المشاركة على تشكيل حكومة توافقية بعيدة عن هيمنة طرف واحد أي هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني".
وفي نفس السياق يرى الصحفي مكي ريفند أن هناك استياء من الشعب في كردستان بسبب غياب العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات غير العادل وهيمنة الحزبين الكبيرين على موارد الإقليم والخلافات بين بغداد وأربيل. ويوجه اللوم إلى الحزب الديمقراطي خصوصا، والذي يتحدث خلال الحملة الانتخابية عن الإنجازات التي قدمها للشعب الكردي، ويقول : "يعلم جيدا ما هي إنجازاته، عدم دفع رواتب الموظفين، تهريب النفط ، وإلقاء الصحفيين بالسجون"، بحسب قول الصحفي الكردي مكي ريفند.
ويضيف : " على أرض الواقع هناك انقطاعات في شبكة الكهرباء، مدينة أربيل في الصيف تعاني من شحة المياه". يقول سعيد كاكائي إن هناك تغيرات جذرية في العملية الانتخابية، ويتحدث بلغة الأرقام قائلا : "إن عدد الناخبين الكلي المسجلين عند المفوضية العليا للانتخابات في بغداد، ثلاثة ملايين و789 ألفا و360 ناخبا. فيما عدد الذين يمتلكون البطاقة البايومترية والمسجلين هو مليونان 899 ألفا و615 ناخبا. من بينهم 79500 لم يستلموا بطاقاتهم بعد. الفارق هو مليون و 84 ألفا و745 شخصا لن يسمح لهم بالتصويت".
ويرى أن هذه "نقلة نوعية لتنظيف سجل الناخبين، سابقا كانت هناك أصوات تستخدم في تغيير نتائج الانتخابات والتلاعب بها لصالح الأحزاب الكبيرة". في نفس السياق يقول مكي ريفند إن "النظام الجديد نظام جيد ويضمن ذهاب صوت الناخبين إلى القوائم التي انتخبوها. بعكس الانتخابات السابقة، المفوضية العراقية قامت بتنظيف القوائم، من أسماء الموتى وأسماء جنسيات أخرى غير عراقية، كانت تصوت من دون حق، لكونها كانت تصب في صالح الأحزاب الحاكمة"، بحسب وصف الصحفي الكردي مكي ريفند.
أما التغيير الثاني، فالانتخابات سابقا كنت تجري في دائرة انتخابية واحدة اليوم هناك 4 دوائر، ما يشكل دفعة نوعية لترسيخ مبادئ الديمقراطية، بحسب قول سعيد كاكائي. وسجلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات 545 مراقبا دوليا و862 محليا و5070 وكيلا للأحزاب لمراقبة سير عملية الاقتراع في المحطات والمراكز الانتخابية.
وأخيرا يرى أن هناك قوى جديدة "ظهرت وهي منزعجة من القوى السياسية المتسلطة، يمكن لها أن تحدث تغييرا وتعمل على التقدم نحو المستقبل". سيناريوهات الحكومة القادمة في إقليم كردستان العراق ستعتمد على نتائج الانتخابات ضمن اللعبة السياسية والمصالح المتبادلة بين الأحزاب السياسية المهيمنة على المشهد أو تلك التي ربما تقلب الطاولة بمفاجئات غير متوقعة. ويقدّم الإقليم، حليف الولايات المتحدة والأوروبيين، نفسه على أنه واحة استقرار جاذبة للاستثمارات الأجنبية في العراق. لكن ناشطين ومعارضين يدينون مشاكل تلمّ كذلك بباقي أنحاء العراق، أبرزها الفساد وقمع الأصوات المعارضة ومحسوبية تمارسها الأحزاب الحاكمة.