الصواريخ تطيح بالدبلوماسية.. الشرق الأوسط على طاولة مشتعلة

شفق نيوز/ في وقت تحوّلت فيه أجواء الشرق الأوسط إلى ساحة حرب مفتوحة، تتصدر إيران وإسرائيل مشهدًا مشحونًا بالصواريخ والاغتيالات والبيانات العسكرية، وسط جهود إقليمية ودولية متباينة في الشكل والمضمون لمحاولة احتواء التصعيد.
وبينما تجهد أطراف إقليمية في هندسة تهدئة قابلة للصمود، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليعلن نفسه صانع سلام جديداً، زاعمًا أن اتفاقًا بات قريبًا بين الطرفين المتحاربين.
وفي تصريحاته المفاجئة، قال ترامب إن "اتصالات واجتماعات عديدة تجري الآن من أجل إحلال السلام بين إيران وإسرائيل"، قبل أن يضيف: "أنا سأعقد اتفاقاً كما فعلت مع الهند وباكستان... اجعلوا الشرق الأوسط عظيماً مرة أخرى". تصريحات ترامب، التي لاقت اهتماماً متزايداً، لم تواكبها خطوات عملية واضحة، في وقت يشكك فيه خبراء بشدة بقدرة أي طرف منفرد على فرض تهدئة ما لم يكن مدعوماً بإجماع دولي شامل وهو أمر غير متوفر حتى الآن.
جهود إقليمية
في هذا السياق، تقود السعودية مدعومة من دول الخليج وبتنسيق مع واشنطن وموسكو جهوداً مكثفة لإحداث اختراق دبلوماسي، يسهم في وقف التصعيد ويفتح الباب لعودة طهران إلى طاولة المفاوضات.
مصدر دبلوماسي مطلع قال لوكالة شفق نيوز، إن "الرياض تسعى لاستعادة موقعها كقوة توازن في الإقليم، وتتحرك كوسيط بديل عن أدوار سابقة لقطر وسلطنة عمان في الوساطات بين طهران والغرب".
ويؤكد المحلل السعودي محمد هيودي أن "العدوان على إيران كان مفاجئًا حتى للدول العربية، وهو ما يفسّر بطء التحرك الإقليمي وغياب التنسيق السياسي الواضح".
هيودي أشار إلى أن "إيران لن توقف الحرب الآن، بسبب حجم الضربة الإسرائيلية، إلى جانب تغيّرات بنيوية تشهدها المنطقة تشمل النظام السوري، وتنامي نفوذ إسرائيل، وعودة واشنطن بقوة إلى ساحات الشرق الأوسط"، مضيفًا أن هذا الواقع يُضعف أي محاولة حالية للوساطة قبل أن تنضج شروط التفاوض.
وعلى الضفة الدولية، يبدو الموقف أكثر تعقيداً. فبينما تواصل الأمم المتحدة إصدار الدعوات لضبط النفس، تؤكد الوقائع على الأرض أن أي تحرك جاد يظل رهينة لفيتو الولايات المتحدة داخل مجلس الأمن.
المحلل اللبناني جورج علم قال لوكالة شفق نيوز، إن "السعودية تجري اتصالات موسعة مع واشنطن وطهران والقوى الأوروبية في محاولة للوصول إلى هدنة مؤقتة"، لكنه أضاف أن "الأمم المتحدة لا تملك حرية الحركة دون موافقة واشنطن، ما يجعل أي مبادرة دولية عرضة للتعطيل".
وهو ما يؤكده منير أديب، الخبير المصري في الشؤون الدولية والتطرف العالمي، الذي قال في حديث لشفق نيوز: "الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، كانت داعماً مباشراً لإسرائيل في عدوانها على إيران وسوريا ولبنان، وتغض الطرف عن خروقاتها المتكررة للقانون الدولي". ويضيف أديب أن "ترامب نفسه صرّح بأنه كان على علم مسبق بالهجوم على إيران، مما يعني أن الضربة تمّت بتنسيق مباشر، وفي ظل مباركة أوروبية صامتة".
ويتابع: "هذا يكرّس تآكل النظام الدولي، ويؤكد أن الأمم المتحدة لم تعد أكثر من مؤسسة شكلية تُدار من قِبل القوة الأميركية، بينما تُستخدم مفاهيم كالإرهاب والسيادة كأدوات انتقائية".
"مشروع استراتيجي للشرق الأوسط"
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تاريخ اندلاع عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل، شهدت المنطقة تحولات جذرية في قواعد الاشتباك والتحالفات، أطاحت بكل الخطوط الحمراء السابقة.
تسببت العملية وما تبعها من حرب طاحنة على غزة، في تفكيك وهم الاستقرار الإقليمي، ودفعت الصراع الإسرائيلي-الإيراني إلى العلن، بعد سنوات من الحروب بالوكالة. كما تغيّرت موازين الردع بشكل ملحوظ، مع تصاعد الدور المباشر لإيران وحلفائها في الميدان، سواء عبر جبهات جنوب لبنان، أو العراق، أو اليمن، وصولاً إلى استهداف إسرائيل من داخل العمق الإيراني ذاته.
وفي الوقت نفسه، أعادت الأحداث خلط أوراق القوى الكبرى، حيث باتت الولايات المتحدة أكثر انخراطًا، لا دفاعًا عن إسرائيل فقط، بل لحماية نفوذها في منطقة تتآكل فيها شرعيتها تدريجيًا أمام روسيا والصين. كما كشفت هذه التطورات هشاشة في المبادرات التقليدية عن احتواء صراع خرج عن السيطرة، ليدخل مرحلة إعادة رسم التوازنات، وربما الخرائط.
هذا ما يذهب إلى الدكتور هيثم الهيتي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إكستر البريطانية، أن ما يحدث الآن هو تنفيذ عملي لمشروع استراتيجي طويل الأمد تتبناه الولايات المتحدة وإسرائيل.ويقول: لوكالة شفق نيوز، "هذا ليس نزاعاً طارئاً بل جزء من إعادة هيكلة المنطقة، بدأت باغتيالات في حزب الله، وتمرّ حالياً عبر ضرب بنية القرار الإيراني، وستصل إلى العراق ولبنان".
ويحذر الهيتي من أن "المنطقة أمام سيناريوهين فقط: إما أن تتراجع إيران وتوافق على التفاوض بعد أن فقدت بعض أدوات مشروعها النووي والعسكري، أو أن تنزلق البلاد إلى اضطرابات داخلية، تشمل تحركات كوردية وتمرد في الأحواز، تؤسس لموجة تقسيم جديدة في الشرق الأوسط".
مع استمرار عمليات القصف المتبادل، يرى المحلل السياسي من واشنطن، الدكتور رمضان البدران، أن "كافة الأطراف تنتظر لحظة الإنهاك المتبادل لتبدأ جدياً بالتفاوض". ويضيف: "الصواريخ الآن تستهدف البنية الاقتصادية والمدنية، وليس فقط المواقع العسكرية، ما ينذر بانهيار شامل للردع المتبادل"، مشيراً إلى أن "البيئة الإقليمية لا تزال غير ناضجة لأي اتفاق تهدئة دائم".
مفاوضات نووية مجمدة
قبل اندلاع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، كانت العاصمة العُمانية مسقط تحتضن جولات تفاوض غير مباشرة بين طهران وواشنطن، بوساطة عمانية وبتنسيق أوروبي، هدفت إلى إحياء مسار الاتفاق النووي المتعثر، وركّزت المحادثات على الحد من مستويات تخصيب اليورانيوم، وضبط أنشطة إيران الإقليمية، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن عمان حاولت خلال الأيام الماضية إعادة فتح قنوات التواصل، لكن التطورات المتسارعة، وخصوصاً بعد اغتيال قيادات إيرانية وارتفاع مستوى الاستهداف المتبادل، جعلت مناخ المفاوضات غير ممكن في الوقت الراهن.
وبهذا الخصوص يشير الدكتور حبيب الهادي، الباحث في العلاقات الدولية من سلطنة عمان، إلى أن "المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران متوقفة تمامًا، مع بلوغ إيران مرحلة قريبة من امتلاك قدرة إنتاج السلاح النووي". ويضيف: "إسرائيل تعتبر ذلك تهديداً وجودياً، وهي الآن تُسرّع المواجهة العسكرية خشية فوات الأوان".
بين دبلوماسية معلقة وساحة حرب تتسع، يرى مراقبون أن الشرق الأوسط يقف على حافة تحوّل تاريخي لا يشبه سابقاته. فالتصعيد الأخير لم يُسقط فقط المبادرات التفاوضية ويُعطل الوساطات، بل كشف عن هشاشة النظام الإقليمي، وتبدّل أولويات اللاعبين الدوليين، وتضارب المشاريع بين قوى تسعى لإعادة ضبط ميزان القوة، وأخرى ترى في التصعيد فرصة لحسم تاريخي.
وبينما تتعالى الأصوات للتهدئة، لا تزال وقائع الميدان هي التي ترسم مسار الأحداث. والخطر الأكبر الآن، أن تدخل المنطقة في صراع طويل الأمد بلا خطوط رجعة، في ظل غياب اتفاق واضح أو إرادة جماعية توقف عجلة الانفجار المتسارع.