من الشمال الى قلب المدينة... ملوحة البصرة تتمدد وتنهك الانسان والحيوان

من الشمال الى قلب المدينة... ملوحة البصرة تتمدد وتنهك الانسان والحيوان
2025-06-12 15:36

شفق نيوز/ تتصاعد أزمة ملوحة المياه في محافظة البصرة منذ أكثر من شهر، ومع بداية فصل الصيف، حتى باتت تشكل تهديدا بيئيا واجتماعيا، امتد من أقضية شمال المحافظة ليصل إلى قلب المدينة وأطرافها الجنوبية، ومع غياب المعالجات الجذرية وتراجع الإطلاقات المائية، باتت المياه الواصلة إلى منازل مئات الآلاف من المواطنين غير صالحة للاستخدام البشري، ولا حتى الحيواني، وسط غليان شعبي وتحذيرات من عواقب كارثية، لاسيما مع تسجيل نفوق للماشية بسبب تلوث المياه.

الزراعة تلفت والمواشي نفقت

في أقضية شمال البصرة، وتحديدًا في المدينة والهارثة والصادق وعز الدين سليم، كانت ملامح الأزمة قد ظهرت مبكرًا، بحسب الناشط المحلي أبو الحسن الشاوي، فإن "أهالي مناطق شمالي المحافظة تلقوا الضربة الأولى، مساحات واسعة من الأراضي الزراعية تضررت بسبب ارتفاع نسبة الملوحة، ما أدى إلى تلف المحاصيل، وتكبُّد المزارعين خسائر مالية جسيمة".

ويضيف الشاوي لوكالة شفق نيوز: أن "الأمر لم يقتصر على الزراعة، بل طال الثروة الحيوانية أيضًا، حيث سُجّلت حالات نفوق بين الماشية بعد شربها من المياه المتوفرة، التي اختلطت بمياه مجارٍ ومخلّفات آبار نفطية في بعض المناطق، فكيف بماء لا يصلح للزرع ولا للحيوان أن يتم ضخه للشبكات المغذية لمنازل المواطنين، الأمر الذي تسبب بمئات الحالات من الأمراض الجلدية و المعوية، ولم نلق أي عناية حكومية لهذا الأمر".

وقد أعلنت شعبة زراعة قضاء الإمام الصادق شمالي محافظة البصرة، يوم الخميس، عن تسجيل حالات نفوق واسعة بين الماشية، نتيجة التسمم الناتج عن تلوث مياه نهر الفرات في منطقة باهلة.

وذكرت الشعبة في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، أن "وحدة الثروة الحيوانية بالتعاون مع المستوصف البيطري في القضاء، شكّلت لجنة ميدانية لمتابعة حالات نفوق حيوانات الماشية، بعد ورود بلاغات من عدد من المربين في المنطقة".

وأوضح البيان أن "11 رأس بقر نفقت حتى الآن، فيما تشير الفحوص البيطرية الأولية إلى معاناة أعداد أخرى من أعراض التسمم الحاد، ما ينذر بارتفاع عدد الهلاكات خلال الأيام المقبلة".

وأشار البيان إلى أن "نهر الچتف، الذي يقع في نهاية مجرى نهر عنتر، تأثر بشكل مباشر بتلوث مياه نهر الفرات، وبعد أن شربت الأبقار من المياه الملوثة، بدأت تظهر عليها علامات الهزال والضعف الشديد، حتى فارقت الحياة".

التظاهرات.. جرس إنذار أُهمل

ومع تفاقم الأوضاع، خرج أهالي مناطق شمال البصرة في احتجاجات واسعة عدّها رجل الدين الشيخ عبد الغفار العوضي (أحد قادة التظاهرات الذي صدرت بحقهم دعوى قضائية) "جرس إنذار مبكر كان يمكن للحكومة المحلية أن تتدارك من خلاله الأزمة قبل امتدادها".

ويقول العوضي لوكالة شفق نيوز: "للأسف، لم تُستَجب مطالبنا كما يجب، وتم التعامل مع المتظاهرين بطريقة خاطئة وصلت إلى حد الملاحقات القانونية ورفع الدعاوى القضائية، في مشهد يعكس تعاملاً فوقيًا مع الأزمة بدلاً من التفاعل مع جذورها، لإيجاد الحلول اللازمة وتحقيق مطالب المتظاهرين الذين لم يطلبوا شيئًا سوى جزءًا يسيرًا من حقوقهم المشروعة".

ويؤكد أن "ما وصلت إليه مياه البصرة اليوم، هو نتيجة مباشرة لتجاهل تلك التحذيرات الأولى، لو تم التحرك بجدية عند ظهور الأزمة في الشمال، لما وصلت الملوحة إلى مناطق مركز المدينة و تفاقمت المشكلة بطريقة لا يمكن السيطرة عليها".

البصرة: نصف المدينة يشرب ماءً غير صالح

ومع امتداد اللسان الملحي، باتت مناطق واسعة من مركز البصرة تعاني من تلوث المياه وارتفاع نسبة الملوحة، ومنها المعقل والجبيلة والعشار والجنينة والبراضعية.

ويصف المواطن حسن جبار الوضع قائلاً: "بمجرد أن نفتح صنبور الماء، نلاحظ أن لونه مائل للصفرة، رائحته كريهة، وطعمه مالح بشكل لا يُحتمل، ونتخوف من استخدامه حتى في غسل أواني الطبخ و نضطر إلى صرف مبالغ مالية لشراء الماء واستعماله في الشرب و الغسل".

ويضيف، لوكالة شفق نيوز، أن "غالبية سكان البصرة يشترون الماء من التناكر في الأيام العادية للشرب، ومع هذه الأزمة نضطر لشرائه لكل الاستخدامات الأخرى، حتى وصل سعر الطن الواحد إلى 15 و20 ألف دينار، بعد أن كانت 10 آلاف فقط، وبات توفير المياه مسألة مالية تثقل كاهل العائلات يوميًا".

ارتفاع التراكيز الملحية من جانبها، تؤكد دائرة ماء البصرة وجود ارتفاع مقلق في نسبة التراكيز الملحية في قنوات المياه المغذية للمحافظة، وقد أكد معاون مدير الدائرة، هيثم جار الله، في تصريح صحفي، أن "قلة الإطلاقات المائية الواصلة إلى حوض شط العرب كانت السبب المباشر في زيادة ملوحة المياه، حيث وصلت نسبة التراكيز في منطقة كتيبان – وهي القناة الإروائية التي تغذي شط العرب وأبي الخصيب – إلى 3500 TDS، بعد أن كانت تتراوح بين 1250 و1500 فقط خلال الأشهر الماضية".

وأضاف أن "نسبة الملوحة في منطقة سيحان تجاوزت 19500 TDS، بسبب غلق نهر الكارون، ما تسبب في امتداد اللسان الملحي نحو مركز المدينة، في ظل اعتماد مشاريع الماء على مصادر رئيسية مثل شط العرب ودجلة، التي تعاني من تراجع مستمر بالإطلاقات".

وأشار جار الله إلى أن "محافظة البصرة تعتمد اليوم على القناة الإروائية، وقناة البدعة، ومحطات التحلية في الهارثة، والمشروع الياباني الذي يعمل بطاقة 200 ألف متر مكعب يوميًا، ومحطة التحلية في محيلة التي تنتج 72 ألف متر مكعب"، مبينًا أن هذه المشاريع تسهم جزئيًا في تقليل التراكيز الملحية لكنها غير كافية وحدها دون زيادة الإطلاقات المائية.

أزمة إدارة

ويرى مراقبون محليون أن أزمة ملوحة المياه لا تتعلق فقط بشح الموارد، بل بضعف التنسيق بين الجهات المعنية، وغياب الاستجابة السريعة مع مؤشرات الأزمة.

ويقول الناشط عمران البصري لوكالة شفق نيوز: إن "ما حدث يعكس أن هناك خللاً في تنظيم الموارد المائية، وعدم استثمار الإطلاقات بشكل مدروس، وغياب رؤية استباقية لدى المسؤولين المحليين، الأمر الذي ساهم في تفاقم الضرر".

ويحذر من أن "السكوت على الوضع الحالي سيؤدي إلى كارثة بيئية واقتصادية طويلة الأمد، خاصة إذا استمرت أضرارها على الزراعة والثروة الحيوانية".

حقوق الإنسان تحذر

وقال مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي، لوكالة شفق نيوز إن "اللسان الملحي امتد إلى مركز المدينة، وبلغت نسب الملوحة فيه أكثر من 10 آلاف TDS، بينما رُصد تلوث كيميائي وجرثومي خطير في مياه نهر الفرات شمال البصرة، وصل فعليًا إلى منازل المواطنين".

وأشار التميمي إلى أن "المفوضية رصدت حالات تسمم معوي حادة بين السكان، نتيجة استخدام مياه غير معقمة ولا صالحة للاستهلاك"، مضيفاً أن "المياه تصل اليوم إلى بيوت البصريين من دون تصفية أو معالجة، في وقتٍ تُظهر فيه الحكومتان المركزية والمحلية ضعفًا واضحًا في التعامل مع الأزمة، وخطواتهم لا ترقى إلى مستوى الخطر المحدق بالمواطنين".

وبيّن أن "شمال البصرة بات في حكم المناطق المنكوبة، وأن عدم إعلان حالة طوارئ أو نشر لجان وفرق ميدانية داعمة يعكس تقصيرًا رسميًا خطيرًا".

وشدد على أن "إعادة تشغيل محطات التصفية ورفع التجاوزات وتنظيم المراشنة باتت خطوات عاجلة، كما أن ضعف التواصل مع دول الجوار بشأن ملف المياه سيُفاقم الأزمة".

و ختم التميمي بالتحذير: "ما نحن مقبلون عليه قد يكون أسوأ مما حدث في عام 2018 إذا لم يُتدارك الأمر فورًا".

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon