بكر لطيف.. من بائع كتب على الرصيف إلى حارس ذاكرة كركوك الثقافية (صور)

شفق نيوز – كركوك
في قلب كركوك،
المدينة التي تُعرف بـ" أرباخا" لتنوع قومياتها وتاريخها العريق، يجلس
بكر لطيف حسين، الستيني بين آلاف الكتب في مكتبته العتيقة، محاطاً بعناوين تمتد
باللغات الكوردية والعربية والتركمانية والإنجليزية، يحتفظ بمواقعها في ذاكرته كما
يحتفظ بأحداث كبرى من تاريخ العراق الحديث.
حكاية بكر ليست
مجرد سيرة صاحب مكتبة، بل قصة رجل جعل من الكتب وطناً و ذاكرة وهوية، حيث بدأ
مشواره بسطّة صغيرة لبيع الكتب في شارع الجمهورية قرب مصرف الرافدين، قبل أن تتحول
إلى واحدة من أكبر مكتبات كركوك وأكثرها تنوعاً، وما زال يواصل العمل يومياً، رغم
تغير الزمن وتراجع الإقبال على القراءة.
ويقول حسين،
لوكالة شفق نيوز، إن "الكتب ليست مجرد ورق، بل جزء من حياة الإنسان، ورغم
هيمنة العالم الرقمي، ما زالت القراءة الورقية تحمل سحرها الخاص، وتُبقي الإنسان
مرتبطًا بجوهره الفكري".
ويتذكر حسين،
سنوات الحصار التي وصفها بأنها "أكلت الأخضر واليابس"، مشيراً إلى أن
العديد من المثقفين اضطروا حينها إلى بيع كتبهم لتأمين قوت يومهم، بسبب تراجع
الرواتب وغلاء أسعار الكتب، لكنه يرى في ذات الوقت أن العام 2003 مثّل منعطفاً
مهماً، حيث انفتح العراق على مصادر معرفية جديدة، وتوفرت الكتب بأسعار مناسبة،
وتحسّنت الطباعة بفضل التكنولوجيا والإنترنت.
ويتابع حديثه
قائلاً:،"لكن هذه النهضة لم تدم طويلاً، فجاءت أحداث داعش في العام 2014،
التي أثرت بشكل كبير على الحركة الثقافية في العراق عموماً، وكركوك بشكل خاص، ثم
تلتها أحداث 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، حين دخلت القوات الاتحادية وانسحبت
الأحزاب الكوردية من المشهد المحلي، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في مبيعات الكتب
الكوردية، بل والعربية أيضاً، نتيجة تغير الأجواء العامة".
ويعبّر حسين، عن
أسفه لتراجع الإقبال على القراءة، مبيناً أن "كركوك يسكنها قرابة مليونَي
نسمة، لكن لا تجد من بينهم 20 ألف قارئ أو مثقف حقيقي، وهذا مؤلم، خصوصاً أن
المدينة كانت منارة للأدب والثقافة، وأنجبت كتّاباً وشعراء كبار، من أبرزهم جماعة
كركوك الأدبية".
ويلاحظ حسين
اختلافًا بين المكونات في الإقبال على الكتاب، قائلاً إن "العائلات
التركمانية هي الأكثر تشجيعاً لأطفالها على القراءة، بهدف إبعادهم عن الهواتف
المحمولة وتحسين صحتهم النفسية، تليها العائلات الكوردية، ثم العربية، خاصة في ما
يخص كتب الأطفال".
رغم ذلك، لا يشعر
باليأس، بل يواصل مهمته الثقافية بإصرار، مؤمناً أن الكتاب سيبقى أداة لتغيير
الإنسان وبناء وعيه.
ويختم حسين،
حديثه بالقول إنه "ربما لم نعد نبيع كما في السابق، لكننا لا نزال نمنح الأمل
والفكر، وهذه أثمن من أي ربح."
حارس الذاكرة
الثقافية الكوردية
في المقابل، يقول
هاوكار محمد، وهو أحد زبائن المكتبة الدائمين، لوكالة شفق نيوز، إنه "منذ
أكثر من 10 اعوام وأنا أزور مكتبة بكر لطيف، وهي ليست مجرد محل لبيع الكتب، بل
فضاء ثقافي وروحي نادر في كركوك، وعندما تدخل إلى المكتبة، تشعر وكأنك تدخل إلى
ذاكرة المدينة، إلى أرشيف حي يحفظ ملامح أجيال كاملة من القرّاء والمثقفين".
ويضيف أن
"ما يميز بكر ليس فقط تنوع الكتب التي يعرضها، بل قدرته الفريدة على تذكّر
اهتمامات كل زبون، وتوجيهه نحو ما يناسب ذائقته. أحيانًا أزوره بلا نية شراء، فقط
لأتحدث معه عن كتاب أو عن تحوّلات الثقافة في كركوك، فيخرجني من المكتبة وأنا أحمل
كتابين أو ثلاثة، لأن حديثه يوقظ فيك شغف القراءة".
كما ويشير محمد،
وهو معلم لغة كوردية، إلى أن "في زمن طغت فيه وسائل التواصل على كل شيء، بقيت
هذه المكتبة نقطة ضوء، وبكر لطيف بقي حارساً لها، لا يملّ ولا يساوم، بل يؤمن بدور
الكتاب في تهذيب النفس وصنع التوازن الداخلي، خاصة لدى الشباب".