الغارديان: كيف كان 2019 عام انهيار سياسة أمريكا الخارجية؟
نشرت صحيفة "الغارديان"البريطانية مقالا لمراسلها جوليان بورغر، يلخص فيه مسار السياسة الخارجية الأميركية عام 2019، واصفا إياه بأنه العام الذي انهارت فيه السياسة الخارجية الأميركية، وأصبحت تعتمد على نزوات الرئيس دونالد ترامب.
ويشير بورغر في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن نهج الرئيس تجاه قضايا العالم لم يكن أكثر من تشابك في المصالح الشخصية والنرجسية وفورات على "تويتر".
ويقول الكاتب إن عقدا جديدا من القرن الحادي والعشرين على وشك البدء في ظل النذر السيئة القادمة من بيونغ يانغ، التي تهدد بالعودة إلى اختبار الصواريخ طويلة المدى بعد توقف عامين، مشيرا إلى أن بندول كوريا الشمالية انحرف من الحماس الدبلوماسي إلى التهديد، في وقت ينشغل فيه الرئيس الأميركي ترامب بحملة إعادة انتخابه. ويعلق بورغر قائلا إن "هذا قد يكون أمرا جيدا؛ لأن الرئيس الأميركي سيكون منشغلا بحملة الرئاسة، ولن يكون راغبا في تخريب روايته عن السلام والازدهار في البلاد، وربما كان نذير سوء، حيث سيقوم كيم جونغ أون باستغلال اللحظة وارتكاب خطأ". ويلفت الكاتب إلى أن المرة الأخيرة التي حصلت فيها المواجهة بين ترامب وكيم، لوح كلاهما بسلاحه النووي، مشيرا إلى أنه بحسب رواية جديدة، فإن ترامب أدهش مساعديه عندما طلب نقل 25 مليونا من سكان الحدود في كوريا الجنوبية إلى سيؤول لئلا يتم استخدامهم رهائن، وأمر بسحب عائلات القوات الأميركية من كوريا الجنوبية، رغم ما قيل له بأن تحركا كهذا سيفسره الكوريون الشماليون على أنه مقدمة لهجوم. ويقول بورغر إنه "تم قتل الأمر بهدوء من وزير الدفاع في حينه جيمس ماتيس، الذي استقال العام الماضي، ومن غير المحتمل أن يتجاهل الوزير الجديد مارك إسبر أمرا كهذا". ويجد الكاتب أنه "بخروج الكبار في الإدارة كلهم، فإن ترامب لم يعد يثق بأي شيء سوى حدسه، وباتت القرارات تأتي من تغريداته، وغالبا ما تكون مفاجئة لمساعديه، وأصبحت سياسة ترامب الخارجية عام 2019 مشخصنة أكثر من أي وقت مضى، وتقوم على التحولات في مزاج الرئيس والتأثير الخارجي". وينوه بورغر إلى أنه في آخر قمة بينهما في شباط/ فبراير، قدم ترامب لكيم عرضا لنزع التسلح بشكل كامل، مع أن المسؤولين كانوا يعملون على نزع تدريجي يقابله تخفيف متدرج للعقوبات، إلا أن العلاقات بين الطرفين باتت تنهار بشكل بات فيه المسؤولون الأميركيون ينتظرون هدية "عيد الميلاد" من كيم. ويقول الكاتب إنه "في سوريا، فإن التغير المفاجئ أدى إلى مفاجأة الجنود الأمريكيين هناك، فبعد مكالمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، قامت القوات التركية بالدخول إلى شمال سوريا بعد انسحاب الجنود الأميركيين، دون استشارة مع البنتاغون، وبعد انسحاب القوات الخاصة حاول ترامب تخفيف حدة التدخل التركي، من خلال رسالة غريبة هدد فيها أردوغان، قال له فيها: (لا تكن الرجل القاسي ولا تكن أحمق)، ثم أمر القوات الأميركية بالعودة، معطيا لها مهمة جديدة، وهي (حماية النفط)". ويعلق بورغر قائلا إن "استخراج المصادر الطبيعية لبلد قد يكون جريمة حرب، في وقت حاولت فيه البنتاغون تفسير كلام ترامب بطريقة لينة، وهي مواصلة محاربة إرهاب تنظيم الدولة (داعش)، ومن غير المعلوم إلى متى سيظل التوازن قائما، فأردوغان يتعامل مع الأكراد على أنهم تهديد وجودي، وسيعمل ما بوسعه ليدفع ترامب لسحب قواته".
ويفيد الكاتب بأنه "في أفغانستان بدا التخبط ذاته، فغير ترامب موقفه مرتين، وقضى زلماي خليل زاد معظم العام في مفاوضات مع حركة طالبان، ما أثار قلق حكومة كابول، وعندما كان يقترب من التوصل لاتفاق ألغى ترامب لقاء كان سيعقد في كامب ديفيد بذريعة هجوم نفذته الحركة في كابول، وكان قرارا مفاجئا لجميع المشاركين الذين شاركوا في محادثات لمدة 18 شهرا".
ويشير بورغر إلى أنه بعد أقل من ثلاثة أشهر أعلن ترامب في أثناء زيارة للقوات الأميركية في أفغانستان عن العودة مرة أخرى للمفاوضات مع حركة طالبان. ويرى الكاتب أن "قرار الرئيس إعطاء الضوء الأخضر لتوجيه ضربة لإيران بعد إسقاطها طائرة مسيرة ثم تراجعه كان الأكثر غرابة، وذلك لأن المقاتلات الأميركية كانت على بعد عشر دقائق عن الهدف، وفي قرارات الحرب والسلام لا يوجد هناك تفكير واضح، ولا يمكن استخدام مصطلح (السياسة الخارجية)". ويبين بورغر أن "وزارة الخارجية الأميركية والدفاع تخسران عندما تتصادم مصالح الرئيس وعائلته معهما، وكان هذا واضحا في فضيحة أوكرانيا، التي قادت يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر إلى إجراءات عزل الرئيس في الكونغرس، فقد كان هدف السياسة الخارجية الأميركية هو دعم حكومة كييف لمواجهة روسيا، لكن ترامب وضع قدمه على الكوابح، وحولها لخدمة أغراضه الانتخابية، واستخدام النفوذ الأميركي -مساعدات عسكرية- من أجل التحقيق في منافس سياسي له". ًَ ويفيد الكاتب بأن "البيت الأبيض تدخل لوقف الإجراءات العقابية ضد روسيا والسعودية وتركيا؛ لأسباب غير واضحة، وتتعامل إمبراطورية ترامب التجارية مع هذه الدول كلها، بالإضافة إلى الصين وإسرائيل، واقترض صهر الرئيس ومستشاره جارد كوشنر، المفترض أن يقدم خطة سلام لحل النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أموالا من المؤسسات المالية الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته كانت الصين مجتهدة في منح براءات الاختراع لإيفانكا ترامب، في وقت كان فيه والدها يتفاوض مع بكين بشأن صفقة تجارية". ويقول بورغر إن "الغرور الشخصي يظل وراء الكثير من تعاملات ترامب، الذي يريد تدمير ميراث سلفه واستبداله بشيء آخر، فقد تم بذل جهود كبيرة في الكونغرس والإدارة لإلغاء معاهدة التجارة الحرة (نافتا) مع المكسيك وكندا، واستبدالها بواحدة شبيهة لها، تعبر عن انتصار لترامب، ولم يتم استبدال اتفاقيات أخرى، مثل المعاهدة النووية عام 2015 مع إيران، التي خرج منها ترامب العام الماضي". ويجد الكاتب أنه "في السياق ذاته فإن ترامب خرج من معاهدات التحكم في السلاح النووي، كما فعل بالمعاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، ولم تعد هناك سوى معاهدة نووية واحدة لحماية العالم (نيوسارت)، التي تفرض حدا لانتشار السلاح على روسيا وأميركا، ومن المتوقع أن تنتهي عام 2021، ومن الناحية الرسمية تريد واشنطن ضم الصين التي ترددت في الانضمام إلى معاهدة جديدة". ويعتقد بورغر أن "مشكلة سياسة ترامب الخارجية هي أن كل مشكلة تتناقض مع الأخرى، فمن ناحية يرغب ترامب بجلب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، وتخفيض مشاركتها في نزاعات المنطقة، وكان قراره عدم المضي في توجية ضربة لإيران انعكاسا لهذه الرغبة، إلا أن قرار الخروج من الاتفاقية النووية وتشديده العقوبات على إيران زاد من مخاطر الحرب، وفي الوقت الذي خفض فيه القوات الأميركية في سوريا لمئات من الجنود قام بنشر 1800 جندي في السعودية". ويرى الكاتب أنه في السياق ذاته، فإن تفضيل ترامب "للديكتاتوريين" والتغزل بهم يبدو وسيلة لتحقيق ما يتوهم أنها صفقات معهم، سواء كان هذا مع كيم أو فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، في وقت يرى فيه أن الحلفاء في الدول الديمقراطية مستفيدون من أميركا ويعيشون دون مقابل تحت مظلة أمنية أميركية باهظة الثمن. ويختم بورغر مقاله بالقول إن "هذا واضح من موقفه تجاه الناتو، حيث رفض الالتزام بالدفاع عن دوله في حال تعرضها لهجوم روسي، وعليه فإن مستقبل الحلف سيكون محلا للسؤال لو أعيد انتخابه مرة ثانية".