الإطار لا يختار الحلول
بعد رفض التخلي عن السلطة، حبًا بها، وخوفاً مما يمكن أن ينتج عن فقدانها من فضائح ومحاكمات، وبعد الإلتفاف على نتائج الانتخابات التي بدأت بالتشكيك في الأرقام المعلنة والتظاهر أمام المنطقة الخضراء والشكوى من التزوير وإتهام الآخرين بالتدخل في فرض النتائج، وبعد بدعة الثلث المعطل التي منعت تشكيل حكومة الاغلبية وممارسة حملة انقلابية منهجية مستندة على ضغوط خارجية وداخلية على كل الفائزين بإستخدام الرشوة والمال الحرام ووعود الحصول على المواقع والمناصب وسلاح التخويف والتهديد بالقتل والتأليب المذهبي والطائفي تارة، وبالمسيّرات والقصف المدفعي والكاتيوشات والصواريخ البالستية البعيدة المدى، والارهاب وتوزيع الاتهامات الشنيعة تارة أخرى، وبعد إنسحاب الصدريين من البرلمان، وصل الخاسرون، بفضل النواب الناجحين بقرار الزحف والتجاوز على الاستحقاقات الانتخابية، الى مرحلة تسمية رئيس الوزراء العراقي وتشكيل حكومة يتحكمون بها.
هؤلاء، في ظل رمال العراق المتحركة، والمتغيراتٌ الكبيرةٌ، والأحداثٌ الخطيرة، ومكائدهم ودوافعهم السياسية المعروفة لدى القاصي والداني، يبدون فرحين تجاه ماكسبوه، ويعتقدون أن الكرة وصلت الى ملعبهم وستبقى فيها، وحكومتهم الجديدة باتت قاب قوسين أو أدنى، لذلك حاولوا بتصريحاتهم وتلميحاتهم الباهتة تغيير بوصلتهم وفق التطورات المحيطة بهم، والتسويق لمرحلة توفر لهم الفرصة ليكونوا لاعبين مؤثرين في العراق. مع ذلك لا يؤمن أحداً، حتى الآن، إن الرغبات المضادّة للديمقراطية قد انتصرت، لأن الإرادة باقية ولم تستسلم، وقد تم ترشيح الكثيرين قبل المرشح الحالي لرئاسة الوزراء وفشلوا وإصطدموا بالواقع السياسي المعبر عن حال العراق، وحاجات وتطلعات الكتل البرلمانية.
أما دلالات فوزهم ومستقبلهم الذي يندرج ضمن إطار معيّن من الجهل السياسي فلا يوجع المتمرّسين في معرفة الحقائق، ولا يؤثر على من يستند إلى الشعب وقيمه الوطنية والقومية والإنسانية، وعلى من لديهم إرادة قوية تمكنهم دراسة السيناريوهات المحتملة.
لقد خاب ظنهم، وتبددت أحلامهم وفشلت خططهم وإنهارت مشاريعهم وسط هتافات وشعارات المتظاهرين من انصار التيار الصدري الذين دخلوا مبنى البرلمان العراقي بسلاسة وبخطى سريعة، أسرع مما كان يعتقد الكثيرون، ولم يبق لهم سوى قضم الأظافر وعض الأصابع والجلوس صامتين مهمومين محتارين متألمين كالضائعين على الأرصفة الذين يلتفتون يميناً ويساراً ويسرحون بأفكارهم ويحكون رؤوسهم قلقاً وهماً.
التظاهرة قدمت صورة إيجابية بالغة الأهمية عن آخر التطورات، وأوصلت رسائل واضحة ترسم ملامح حقبة جديدة في المشهد السياسي العراقي، وينتظر أن تكون لها تأثيرات في طي صفحة إفتراضية بعيدة عن مجاراة الواقع، وأفشلت خطوة إكمال نصاب جلسة البرلمان العراقي وتمرير المرشح الذي يريدونه لرئاسة الجمهورية، دون الإكتراث الى تصاعد حدة الأزمات، وتمزيق المشهد السياسي، وتصدع العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتدخل التنفيذية في عمل التشريعية وتخلي التشريعية عن القيام بدورها المطلوب، الخطوة التي كانت ستدفع عرب سنة الإطار الى التفكير في إزاحة محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان مادام الخاسرون حصلوا على موقعي رئاسة الجمهورية والحكومة.
وأخيراً ، وبلا شك ستكون الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، وستكون العودة عن الخطأ فضيلة حين تكون وليدة قناعة وطنية، ولكن من أوصل العراق إلى هذا الدرك يصعب عليه إخراجه منه، وإعداد الترتيبات السياسية والقانونية اللازمة لذلك.