قاد أتباعه إلى أرض الميعاد عبر البحر فغرقوا جميعاً.. موسى اليوناني الذي ادعى أنه “المسيح المنتظر”
عبر التاريخ ادَّعى كثيرون أنهم "المسيح المنتظر"، وحقق بعضهم مكاسب شملت السلطة والمال من هذا الادعاء، مثل الأمريكي "مناحيم مندل شنيرسون"، بينما أسس آخرون جيوشاً وقادوا ثورات عن طريق امتلاكهم السلطة الدينية القوية التي يمنحها هذا الاسم الجذاب: "المسيح المنتظر"، مثل "شمعون باركوخبا"… لكن من بين هؤلاء الأدعياء كان "موسى اليوناني" هو الأكثر إثارة للدهشة، إذ لم يكتفِ الرجل بالادعاء بأنه المسيح المنتظر، بل ادعى أيضاً أنه قادر على فعل ما فعله النبي موسى مع بني إسرائيل؛ السير بهم عبر البحر إلى أرض الميعاد، دون أن يغرقوا.. فماذا كان مصيرهم؟
المسيح المنتظر عند اليهود
يؤمن المسلمون بظهور المسيح في آخر الزمان، وهذا ما يعتقده المسيحيون أيضاً رغم أنهم يختلفون مع المسلمين حول "طبيعة المسيح"، الذي يعتبر أحد أنبياء الله في الإسلام، أما اليهود فلديهم وجهة نظر مختلفة تماماً، فهم ينتظرون المسيح أيضاً، لكنهم يعتقدون أنه لم يأتِ بعد في أي زمن من الأزمان.
فقد تنبأ موسى عليه السلام بظهور المسيح، وورد في التوراة: "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي. له تسمعون"، وعندما بعث الله عيسى بن مريم لم يصدق اليهود أنه المسيح المنتظر الذي حدثهم عنه نبيهم موسى، وبقوا ينتظرون ظهور المسيح "الحقيقي" من وجهة نظرهم، وتحدثوا عن مواصفاته في كتبهم، فتصوروه بأنه سيكون عدواً لعيسى بن مريم كما وضعوا العديد من التنبؤات حول موعد قدومه.
ومن أبرز سمات المسيح المنتظر بالنسبة لليهود أنه سيكون ملكاً من نسل داوود، يخلصهم من العبودية والشتات ويقودهم إلى أرض الميعاد، وفي زمن ظهور المسيح المنتظر ستعود السلطة في الدنيا لليهود، وسيحكمون العالم حسب اعتقادهم.
440- 471.. الزمن المنتظر
وبما أن المسيح المنتظر يعتبر "مخلص" اليهود، فقد انتظروه بفارغ الصبر ووضعوا نبوءات حول زمن ظهوره كما ذكرنا، ووفقاً للتلمود فإنه سيظهر في الفترة ما بين 440-471.
آمن الكثير من اليهود بقوة بتعليمات التلمود، وتحديد فترة زمنية معينة لظهور المسيح المنتظر أفسح المجال لكثير من الأدعياء الذين أقنعوا عدداً من الناس بأنه "مخلص" اليهود وقائدهم إلى أرض الميعاد، ولعل "موسى اليوناني" هو أبرزهم.
موسى اليوناني.. الذي ألقى بأتباعه في عرض البحر
قبل مجيء موسى اليوناني، ظهر رجل آخر يلقب بـ"بار كوخبا" وادعى أنه المسيح المنتظر، واستطاع أن يؤسس جيشاً قوياً ليقود ثورة ضد الإمبراطورية الرومانية عُرفت باسم "الثورة اليهودية الثانية"، وكان هدفها تحرير ولاية يهودا من السلطة الرومانية عام 132.
وقاد بار كوخبا الثورة بحزم شديد، إذ كان يقوم بمعاقبة أي يهودي يرفض الانضمام لصفوفه (بعض اليهود كانوا يؤمنون فعلاً أن عيسى بن مريم هو المسيح الحقيقي)، وقد أدت حربه مع الرومان إلى مقتل مئات الآلاف من اليهود، وأسر عدد كبير منهم، إلا أنه تمكّن في النهاية من إحراز النصر وتأسيس دولة يهودية مستقلة استمرت لمدة 3 سنوات، لكنها سرعان ما انهارت على أيدي الرومان الذين تمكنوا من القضاء على "المسيح المنتظر".
فشل تلك الثورة لم يفقد اليهود آمالهم بظهور المسيح المنتظر، وقد استغل هذه الآمال أفضل استغلال رجل من جزيرة كريت اليونانية يدعى فيسكيس.
فقد عاش فيسكيس في الزمن الذي تنبأ فيه التلمود بظهور المسيح المنتظر (440-471)، لذلك لاقت دعوته التي انطلقت عام 448 أصداء إيجابية لدى اليهود.
لم يكتفِ فيسكيس بالادعاء بأنه المسيح المنتظر، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فأطلق على نفسه اسم "موسى اليوناني"، وقرر أن يقود أتباعه إلى فلسطين "أرض الميعاد" عبر البحر، تماماً كما فعل النبي موسى.
اقتنع كثيرون بقدرة "مسيحهم المنتظر" وتركوا منازلهم ومقتنياتهم وتبعوه بانتظار اليوم "الموعود".
وعندما حانت اللحظة الموعودة التي حددها لهم "موسى اليوناني" مسبقاً، بدأ الامتحان الحقيقي لإيمانهم. تبع المؤمنون قائدهم إلى أن وصلوا إلى حافة جرف عال يطل على البحر، حينها أمر موسى أتباعه بإلقاء أنفسهم في البحر، وهذا ما فعلوه.
بالطبع لم يصل أي منهم إلى "أرض الميعاد" بل مات قسم منهم غرقاً، بينما لقي آخرون حتفهم نتيجة ارتطامهم بالصخور الصلبة، أما البقية فقد عادوا أدراجهم ليخبروا الناس بأن موسى كاذب ودعيّ.
شيطان أم محتال؟
لكن ماذا كان مصير موسى؟ بعد أن قتل ما قتل من أتباعه، يقول بعض المؤرخين مثل "سقراط القسطنطينية" إنه فر على الفور واختفى أثره بشكل تام.
وفي روايات أخرى، مثل رواية "يوحنا النيكي" يقال إن موسى مات في البحر مع أتباعه المخلصين.
أما الروايات الشعبية فتذكر القصة بشكل أسطوري مختلف، ويقال فيها إن موسى اليوناني لم يكن بشراً مثلنا، إنما كان شيطاناً تم إرساله لتضليل اليهود وقتلهم.