زراعة الأفوكادو رغم الجفاف في المغرب.. ما قصة زراعة تستنزف الماء وتستثمر فيها إسرائيل؟
على طول هكتارات في ضواحي مدينة القنيطرة غربي المغرب، ارتأى المزارع "يحيى" أن يستبدل مشتله بأشجار الأفوكادو، عندما أثبتت الفاكهة الاستوائية أنها منتج زراعي مربح في السنوات الأخيرة بالمملكة.
المزارع أنشأ صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحت اسم "مشتل الحوامض والأفوكادو يحيى" https://cutt.us/i5rIh، مُرفقة برقم هاتفه الشخصي رهن إشارة كل مزارع يريد اقتناء شجيرات الأفوكادو من مشتله، وهو يعلم يقيناً أن المنتج سيكون مطلوباً.
اتصلنا به دون تردد، متقمّصين دور مزارع يسأل عن زراعة الذهب الأخضر، وعن بعض الخصوصيات والتقنيات لغرس شجرة الأفوكادو هذه، في تربة مزرعة توجد في منطقة "سيدي اليمني" بضواحي طنجة شمالاً.
بدا في صوت المزارع تردّدٌ في مدِّنا بالتوضيحات اللازمة حول كل ما يتعلق بالأفوكادو، الذي أضحى حديث كل فلاح ومزارع في المغرب، لكنه دعانا إلى زيارة ميدانية لمشتله، مجيزاً كلامه، في حديث هاتفي مع "عربي بوست"، بكون "هذه الشجرة، تحتاج إلى تربة جيدة وسقي جيد كذلك".
حتى الدوزام تحدر من زراعة الافوكادو و لو بطريقة غير مباشرة ,,
— زكرياء عزاوي (@zakaria20_20) May 4, 2022
السماح لشركة ضهيونية بزراعة 500 هكتار من هذه الفاكهة في بلدنا الذي يعاني من جفاف كبير هو جريمة فضيعة بحق هذا الشعب ومقدراته المائية ,, pic.twitter.com/qKb0hZFtnO
طلب عالمي واستثمار إسرائيلي
لزراعة الأفوكادو والماء في المغرب قصة أخرى من سيرة تحوّل كثير من الفلاحين والمزارعين، خصوصاً على مستوى جهة الرباط سلا القنيطرة غرب المملكة، إلى إنتاج هذه الفاكهة على نطاق واسع، بالنظر إلى ارتفاع الطلب العالمي عليها، وهامش الربح الذي تدرّه مقارنة بباقي الزراعات التقليدية الأخرى في المغرب على غرار الحوامض مثلاً.
ويشهد على هذا النمو الملحوظ في زراعة الأفوكادو بالتربة المغربية، تصدير المنتج خارج البلاد والذي بوّأ المملكة كثالث أكبر مصدّر للأفوكادو في القارة الإفريقية السنة الماضية، وذلك بعدما وصلت صادرات المغرب من هذه الفاكهة إلى غاية بداية مايو/أيار 2021، إلى 32 ألفاً و800 طن.
يتضح تطوّر صادرات البلد من الأفوكادو، بانتقال المملكة من أقل من 2000 طن سنوياً عام 2010، إلى نحو 30 ألف طن في 2019، عندما تزايدت المساحات المزروعة بأكثر من 150% بحلول العام الماضي. https://cutt.us/xPWTP
وتعد الأسواق الأوروبية الوجهة الأولى للفواكه والخضر المغربية، بما في ذلك الأفوكادو مؤخراً، إذ تستوعب أكثر من 90% من الكمية المخصصة للتصدير، على اعتبار أن المغرب يقع جغرافياً بالقرب من القارة الأوروبية.
كما أن هذه الزراعة الدخيلة استقطبت شركات واستثمارات إسرائيلية، إذ أعلنت شركة "مهادرين" العام الماضي عن انطلاق مشروع لإنتاج الأفوكادو في المغرب باستثمار تبلغ قيمته نحو 9 ملايين دولار، بهدف إنتاج 10 آلاف طن من هذه الثّمرة سنوياً.
في تصريح للصحافة، أقرّ الرئيس التنفيذي للشركة الإسرائيلية، شؤول شليح، بأن ما يُعزّز توسعهم خارج إسرائيل يرتبط بـ"ندرة المياه"، قائلاً: "نحن أكبر منتج في إسرائيل وأكبر مصدّر للمنتجات الزراعية، ونريد أن تكون الحمضيات محصولنا الرئيس، غير أنه في إسرائيل يعوق ذلك ارتفاع تكلفة المياه؛ فالماء هو النفقة الرئيسة (…)".
⛔️ مشروع زراعي ضخم في المغرب تطلقه شركة "مهادرين " أكبر شركة اسرائيلية للمنتجين والمصدرين لفاكهة الأفوكادو، يقضي باستثمار 9 ملايين دولار في زراعة و صناعة و إنتاج فاكهة الافوكادو ،ما سيمكن من المغرب من إنتاج 10.000 طن إضافية من هذه الفاكهة سنويا 👇 pic.twitter.com/RQnMpkQIfq
— Mohamed Ouamoussi محمد واموسي (@ouamoussi) August 22, 2021
مشكل الماء أفاض الكأس
هو الماء إذن الذي أفاض كأس "معارضة" زراعة الأفوكادو في المملكة، التي أعلنت رسمياً في الأيام الأخيرة "حالة طوارئ مائية". فما العلاقة بين زراعة فاكهة ومشاكل المياه في المغرب؟ وهل تعد فعلاً زراعة الأفوكادو عاملاً في استنزاف الثروة المائية بالمملكة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تهويلاً فقط؟
يرى المهندس الزراعي إبراهيم العنبي، أن "زراعة الأفوكادو تُدرّ فعلاً العملة الصعبة لخزينة الدولة، غير أن كيلوغراماً واحداً من هاته الفاكهة يستنزف نحو 1200 لتر من الماء، وقد يصل إلى 2000 لتر في السنوات التي تقل فيها التساقطات".
لذلك، "أضمّ صوتي إلى كثير من المختصين الذين يرفضون الاستمرار في زراعة هذه الفاكهة، من أجل الحفاظ على الثروة المائية"، يقول العنبي في تصريحه لـ"عربي بوست".
ودعا المهندس الزراعي إلى "الحدّ من انتشار زراعة الأفوكادو، أو حصرها على الأقل، في منطقة الغرب التي ما زالت فيها الفرشة المائية جيّدة، مقارنة بمثيلتيها في منطقتي شتوكة جنوباً أو آزمور غرباً اللتين تشهد فرشتاهما المائيتان عجزاً كبيراً؛ وهما المعروفتان بزراعة الخضراوات والفواكه، والمُزوّدتان للأسواق المغربية".
جفاف وحالة طوارئ مائية
تتنامى التخوفات الآن يومياً من إمكانية فقدان منتجات زراعية عُرف بها المغرب لسنوات، من الأسواق الوطنية، على غرار الحوامض، بالنظر إلى وضعية الإجهاد المائي الذي تواجهه المملكة، ما تطلب تدخل وزارة التجهيز والماء بدق ناقوس الخطر. https://cutt.us/M6jku
وكشفت وزارة التجهيز والماء لـ"عربي بوست"، أن "بلادنا شهدت منذ فاتح سبتمبر/أيلول 2021 وإلى غاية اليوم تساقطات مطرية تراوحت في المعدل بين 16.5 ملم و325 ملم، وهو ما يشكل عجزاً يقدر بنسبة 47% على الصعيد الوطني".
لهذا "نتج عن هذه التساقطات المطرية واردات مائية متوسطة، إذ بلغ الحجم الإجمالي للواردات المائية المسجلة بمجموع السدود الكبرى للمملكة خلال الفترة نفسها نحو 1.83 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل عجزاً يقدر بنحو 85% مقارنة بالمعدل السنوي للواردات"، تضيف الوزارة في ورقة بشأن مؤشرات ندرة المياه قدمتها لـ"عربي بوست".
وبيّن المصدر ذاته، أن وضعية الواردات هذه "انعكست على نسبة الملء الوطنية للسدود، إذ بلغ حجم المخزون المائي بحَقِينات السدود إلى غاية فاتح أغسطس\ آب الجاري نحو 4.5 مليار متر مكعب؛ أي ما يعادل 28% كنسبة ملء إجمالي، مقابل 43.7% سُجلت خلال الفترة نفسها من السنة الماضية".
على أنّ "ضعف هذه التساقطات المطرية، إلى جانب الاستغلال المتزايد للمياه الجوفية، جعل جلّ الفرشات المائية تشهد انخفاضاً في مستوى الماء"، تشير معطيات وزارة التجهيز والماء.
وخلصت المعلومات الرسمية نفسها إلى أنه "من خلال تحليل المعطيات المتعلقة بالواردات المائية، تكون الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022 من أشد الفترات جفافاً على الإطلاق، إذ بلغ إجمالي وارداتها نحو 16.8 مليار متر مكعب؛ وهو ما أصبح يشكل أدنى إجمالي واردات خلال خمس سنوات متتالية".
زراعة دخيلة وتصدير للمياه
أمام هذا الوضع غير السليم، طالب نشطاء في مجال البيئة بـ"منع الزراعات الدخيلة"؛ وعلى رأسها الأفوكادو، بحجة أنها "تلتهم أطناناً من المياه"، في ظل تراجع مخزونات السدود وانخفاض مستوى المياه الجوفية.
ورفع نشطاء البيئة شعار: "يمكنني العيش بدون أفوكادو وبدون بطيخ أحمر، لكن لا يمكنني أن أعيش بدون ماء"، معتبرين أن "المغرب بتصديره المنتجات الفلاحية التي تستهلك كثيراً من الماء، فهو بذلك يصدر أغلى مورد طبيعي؛ وهو المياه الجوفية".
تقول رئيسة حركة مغرب البيئة 2050، سليمة بلمقدم: "لا يمكن التفكير فقط في ميزانية الدولة اليوم والأرباح، ولكن يجب التفكير في ميزانية الغد، على اعتبار أنه إذا جُفّت الفُرَش المائية فالأمر سيكون خطيراً جداً".
لهذا "فالأمر بسيط جداً. يجب إحداث قطيعة مع مسببات تجفيف الفرش المائية الموجودة، وأن تُمنع الزراعات التي لا تتلاءم مع المناخ والمتطلبات البيئية"، تشدد بلمقدم في حديثها لـ"عربي بوست".
ونبّهت الناشطة البيئية إلى أن هذا التوجه "ليس ضد النمو الاقتصادي أو العيش الكريم، غير أنه لا يجب أن يكون هذا النمو آنياً فقط وفوق طاقة ما تنتجه الطبيعة من ثروات، بل يجب أن يكون في سياق التنمية المستدامة لكي تشمل كل الأجيال المقبلة".
إنتاج ممكن مع بدائل مائية
بعيداً عن الفاعلين في المجال البيئي، يبدو أنه حتى المشتغلين بمجال التنمية الفلاحية والإنتاج يتفقون على أن مزروعات الأفوكادو تعد مشكلة حقيقية، وإن كانت مصدراً اقتصادياً مهماً في المملكة.
ولا يشكو رئيس الجمعية المغربية للتنمية الفلاحية بجهة الدار البيضاء سطات (غير حكومية)، الفاطمي بوكرزية، من أن "متطلبات فاكهة الأفوكادو من الماء كبيرة وكبيرة جداً، ولا تستطيع الفرشة المائية تلبية احتياجاتها، خصوصاً في ظل موجة الجفاف التي تشهدها بلادنا".
في حديثه لـ"عربي بوست"، يقول بوكرزية: "نعلم جيداً دور هذه المنتجات في الصادرات سواء نحو أوروبا أو إفريقيا، ودورها في الميزان التجاري للدولة، إضافة إلى الدور الذي تلعبه على مستوى خلق فرص الشغل".
لكن ذلك "يجب أن لا يكون على حساب ثروتنا المائية، ما يستدعي البحث عن بدائل للفرشة المائية اليوم قبل الغد"، يستطرد الفاعل في التنمية الفلاحية.
ويعتقد المصدر نفسه أن "8540 هكتاراً من فاكهة الأفوكادو كان من المفروض أن تُهيأ لها دراسات تبعد الخطر عن فرشتنا المائية، بإيجاد حلول بديلة، وهو الأمر الذي يهم كذلك البطيخ الأحمر والجزر، ما جعلنا ننادي ببديل تحلية مياه البحر التي أصبحت اليوم خياراً ثابتاً".
وفي هذا السياق، وفي إطار تنويع وزارة التجهيز والماء لمصادر التزوّد بالماء، فالمملكة تتوفّر حالياً على 9 محطات تحلية مياه البحر بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ نحو 147 مليون متر مكعب في السنة، إضافة إلى 8 محطات تحلية بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ نحو 37 مليون متر مكعب في السنة.