هل يعاقب القانون العراقي على الغش بالامتحانات؟

أكد مجلس القضاء الأعلى، اليوم الأربعاء، أنه لا يمكن اثارة المسؤولية الجزائية للطالب عند ارتكابه الغش حيث يتم الاكتفاء بالعقوبة الانضباطية التي ورد النص عليها في المادة (17/اولا/1) من نظام الامتحانات العامة رقم (18) لسنة 1987 بنصها (يعتبر الطالب راسباً:-أ-اذا غش او حاول الغش في الامتحان واقتنع المراقب ومدير المركز بذلك)، مؤكدا يجوز اتخاذ الاجراءات القانونية بحق الطالب الا في حالة قيامه بالاعتداء على احد اعضاء المراكز الامتحانية.
ونشر القضاء مقالا عن الغش للقاضي للقاضي حبيب إبراهيم حمادة، هذا نصه:
ظهرت في السنوات الماضية العديد من الظواهر السلبية المؤثرة على سير العملية التربوية في العراق، في كافة المراحل المتوسطة او الإعدادية او الجامعية عموماً وفي المراحل المنتهية خصوصاً، ومن ذلك ظاهرة تسريب الاسئلة الامتحانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وايضا ظاهرة الغش الالكتروني اثناء تأدية الامتحانات العامة للطلبة، والذي يعد من السلوكيات اللا أخلاقية والمنافية لنزاهة العملية التربوية وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الفرد والمجتمع بوقت واحد، والتي قد ينجم عنها قبول الطلبة في العديد من الكليات كالطب والصيدلة والهندسة وغيرها، ومن ثم تخرجهم كأطباء او صيادلة او مهندسين دون وجه حق، إضافة الى ان وجودهم في تلك الوظائف سوف يصبح عالة على المجتمع يعتمدون على غيرهم دون الاتصاف بالابداع او الانتاج ولا يمكن ان يتم خدمة اية مؤسسة عاملين فيها من جهة، ومن جهة اخرى فأن اتباع هذا الطريق انما يعرقل مسيرة العملية التربوية ويمثل اعتداءً جسيماً على حقوق غيرهم من الطلبة المجتهدين اثناء الدراسة للوصول الى استحقاقهم في القبول بالكليات التي تناسب قدراتهم العلمية، كما انه يقتل روح المنافسة بينهم في هذا المجال.والغش لغة غش يغش غَشاً وغِشاً وهو الخداع او الاحتيال، بمعنى اظهر له حباً ونصيحة وهو يضمر له الباطل، او هو خلط الاشياء بغيرها وبما هو اقل ثمن منها مثل خلط اللبن بالماء اي خلط الرديء بالجيد، كما عرف بانه نقيض النصح كونه اخفاء للواقع وإظهار خلافه بحيث لا ينطبق عليه او هو اخفاء عيب او اظهار غير الحق او نيل شيء دون وجه حق واصطلاحاً يعرف الغش بانه سلوك مَرَضي يهدف الى تغيير الواقع لتحقيق هدف مادي او معنوي او اشياع الحاجات او الرغبات بطرق غير مشروعة، اما الغش الالكتروني في الامتحان فهو محاولة الطالب في الحصول على اجابات الاسئلة التي لا يعرفها او التي لم يقم بدراستها بكل الطرق غير المشروعة من خلال استخدام الوسائل الالكترونية او هو حصول الطالب على درجات النجاح بدون بذل مجهوده الشخصي اعتماداً على وسائل التطور التكنولوجي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.ويقع الغش في الامتحانات من قبل بعض الطلبة لاسباب متعددة، منها ما يتعلق بالطالب نفسه, اذ ان ضعف الملكة العلمية للطالب وعدم رغبته في الدراسة والتعليم واضاعته للوقت بأمور اخرى غير الدراسة وعدم تحمله المسؤولية، وعدم ثقته بمؤهلاته العلمية والذهنية بسبب ضعف شخصيته، وضعف الوازع الديني والاخلاقي لديه وتعرضه للضغوط العائلية او الاجتماعية او الخوف والخشية من عدم النجاح في الامتحان او الرغبة من التفوق فيه بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة ومنها ما يتعلق بالاسرة، ومن ذلك عدم المتابعة الجدية للطالب من قبل والديه او سوء التربية او المشاكل العائلية بين الزوجين او بين الاباء والابناء، او سوء الوضع المادي للعائلة، او الضغوط المادية او المعنوية من قبل افراد العائلة للحصول على الشهادة بكافة الطرق، اضافة الى ذلك فان النظام التربوي المطبق قد يكون سبباً لدفع الطلبة الى الغش، فعدم قيام الهيئات التدريسية الحكومية بأداء مهامها على اكمل وجه قد يدفع بعض الطلبة الى التدريس الخصوصي، وعدم قدرة البعض الآخر المادية يكون دافعاً لإتباع هذا الطريق, اضافة الى ان تساهل بعض المراقبين باداء واجبهم داخل القاعة الامتحانية او صعوبة الاسئلة الامتحانية التي قد لا تتناسب مع القدرات الذهنية للطلبة او عدم تناسبها مع الوقت المخصص لاداء الامتحان او عدم القدرة على ايصال المعلومة للطلبة او ضعف الشخصية لدى بعض المدرسين وغيرها،واذا كانت أساليب الغش التقليدية مثل حمل القصاصات الورقية او الكتابة على اليد او القدم او المقعد الدراسي او التحدث بين الطلبة اثناء الامتحان قد انتهت الى حد ما في الوقت الحاضر فقد ظهرت وسائل جديدة مسايرة للتطور العلمي في الاجهزة الالكترونية ومن اهمها استخدام الهاتف النقال او استعمال سماعة الاذن اللاسلكية التي تعمل بخاصية البلوتوث او استخدام الساعات الالكترونية التي يمكن من خلالها تصوير الاسئلة الامتحانية او النظارات الطبية التي تكون مزودة بتقنية متطورة من خلال وجود كاميرا فيديو في منتصفها والتي يمكن من خلالها ارسال الاسئلة الى اشخاص خارج القاعة الامتحانية والحصول على الإجابة بذات الطريق.1610:06
وقدر تعلق الامر بالمسؤولية الجزائية الناشئة عن الغش الالكتروني في الامتحانات، وتطبيقا لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، فانه لا يمكن اثارة المسؤولية الجزائية للطالب عند ارتكابه ذلك الفعل حيث يتم الاكتفاء بالعقوبة الانضباطية التي ورد النص عليها في المادة (17/اولا/1) من نظام الامتحانات العامة رقم (18) لسنة 1987 بنصها (يعتبر الطالب راسباً:-أ-اذا غش او حاول الغش في الامتحان واقتنع المراقب ومدير المركز بذلك) حيث لا يجوز اتخاذ الاجراءات القانونية بحق الطالب الا في حالة قيامه بالاعتداء على احد اعضاء المراكز الامتحانية او مراكز الفحص او اذا كان حاملاً سلاحاً معه في القاعة الامتحانية او اذا تضمن دفتره الامتحاني قذفاً او سباً او مخالفة للنظام العام او الاداب عملاً بأحكام الفقرة (ثانياً) من المادة اعلاه.اما المسؤولية الجزائية للغير عن فعل الغش المرتكب من قبل الطالب والمتمثل ببيع الادوات المستخدمة في الغش الالكتروني كالسماعة او الساعة او النظارات الطبية او الاقلام الذكية او الاوراق الشفافة فان التصرف بتلك المواد بيعاً او إيجاراً او حيازتها، غير معاقب عليه قانوناً فاذا ما ثبت القصد الجنائي من التصرف بها بأن يتم استخدامها من قبل الطلبة لغرض الغش في الامتحان فانه لا يوجد ما يمنع من اتخاذ الاجراءات القانونية عن ذلك الفعل وكونه يشكل جريمة وفق احكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل 132 لسنة 1996، اذ ورد النص في الفقرة (ثانياً/1) منه على ان (( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات كل من ساعد على الغش في الامتحانات المدرسية النهائية او الامتحانات العامة او سهل القيام به. 2- لا تسري احكام الفقرة (1) من هذا البند على الطلاب الذين يرتكبون الغش في داخل القاعة الامتحانية, وتطبق بحقهم احكام الأنظمة المدرسية )) سيما ان الاعلان عن بيعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتضمن صراحة استخدامها للغرض اعلاه، ولكون مثل تلك الافعال تشكل جرائم حديثة وغير معروفة سابقاً وللحفاظ على حسن سير العملية التربوية وللحيلولة دون الاساءة اليها، فان الامر يستوجب من المشرع تجريم هكذا افعال بنص عقابي صريح وفرض العقوبة المناسبة لها للحد من ظاهرة الغش لدى الطلبة في الامتحانات.