"أمطار صاروخية في أربيل" تضع السيادة العراقية على "المحك"
وضع القصف الإيراني بالصواريخ البالستية على أربيل، عاصمة إقليم كوردستان قبل أيام، الحكومة الاتحادية على المحك بشأن مفهوم السيادة، واتخاذ خطوات "جريئة" تخرج عن دائرة الكلام والاستنكار فقط، إلى العمل الفعلي للحفاظ على أمن البلاد من الصراعات الخارجية.
في الوقت نفسه تلجأ فصائل مسلحة موالية لطهران إلى قصف مستمر بالمسيّرات المفخخة على مدينة أربيل، تزامن منذ الحرب الجارية في فلسطين، لمواجهة الوجود الأمريكي كما تعلن، مما جعل سماء الإقليم ملبدة بالصواريخ.
ومنذ تفجر الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، إثر الهجوم المباغت الذي شنته حماس على مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة، ارتفعت وتيرة التهديدات من قبل عدة فصائل ومجموعات "مدعومة إيرانياً" سواء في العراق أو سوريا ولبنان، فضلا عن اليمن.
ويبدو أن الغطاء الرسمي لتوسيع اطار الهجمات كان واضحاً جداً بعدما دعا المرشد في إيران علي خامنئي، في 10 كانون الثاني 2024، "جبهة المقاومة" إلى "ضرب العدو"، حيث تطاله يدها.
تنوع القصف والأهداف والضحايا
بمتابعة لخارطة المسيّرات التي استهدفت سماء إقليم كوردستان، يتبين أنها تابعة لجهتين لا ثالث لهما، فصائل مسلحة عراقية تتبع في ولائها لطهران، وتطلق على نفسها تسمية "المقاومة العراقية"، كما تعلن ذلك في بيانات رسمية، واخرى عسكرية تركية تحاول من خلالها انقرة تصّفية حساباتها مع حزب العمال على أرض عراقية، وبالطبع من دون أن يكون للإقليم أو العراق على وجه العموم مصلحة سوى الخراب والخسائر الاقتصادية.
ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة تبين عدد الضحايا الذين سقطوا إلا أنه يمكن رصد تصاعد مستمر في عدد الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ التي استهدفت أماكن او جهات أو اشخاص في الإقليم منذ الـ7 من تشرين الأول 2023، موعد هجوم حركة حماس على إسرائيل، وحتى الآن، كما سيتبين لاحقاً.
إذ تبين إحصاءات جهاز مكافحة الإرهاب، وهو جهة رسمية حكومية في إقليم كوردستان وكذلك جهات رسمية وغير رسمية أخرى وقوع 22 هجوماً بطائرات مسيرة وصاروخية على الإقليم، كان من نصيب تركيا منها 7 هجمات بطائرات مسيرة، فيما كانت لإيران وفصائلها المسلحة 15 هجمة مسيرة، وصاروخية منذ بداية الحرب في غزة وحتى ساعة إعداد هذا التقرير، ومن الممكن زيادة العدد في أي لحظة سواء "من تركيا او من فصائل المقاومة".
وتنوعت الأهداف التي تناولها القصف "التركي –الفصائلي" وإن كان محدداً من ناحية تركيا باستهداف أماكن أو شخصيات ترى الحكومة التركية أنهم من حزب العمال، لكن قصف الفصائل المسلحة، يستهدف مواقع شتى أبرزها قصف قاعدة حرير بمطار أربيل الدولي، التي ترى فيها انها هدف لتواجد القوات الامريكية فيها، او المطار ذاته، كذلك وقوع قصف طال مواقع للبيشمركة في 31 / 12/ 2023، وفي بعض الأحيان تضل هذه الطائرات طريقها فتسقط في احد أحياء أربيل كما حصل في سقوط طائرة مسيرة بمنطقة (قلاي نوي- القلعة الجديدة) في يوم 30 كانون الأول 2023، أي قبل يوم من الهجوم على قوات البيشمركة.
من جهتها أعلنت نائبة المتحدث باسم البنتاغون الأمريكي سابرينا سينغ، أمس الاثنين، أن القوات الأميركية تعرضت لـ151 هجوماً في العراق وسوريا، منذ 17 من أكتوبر الماضي، وبالطبع من بينها الهجمات على إقليم كوردستان.
وقالت سيبنغ ان "الميليشيات التي تستهدف قواتنا في العراق وسوريا تحصل على الصواريخ الباليستية من إيران"، مضيفة أنها "مسلحة ومدعومة ومجهزة" من طهران.
المواجهة (الإيرانية -الإسرائيلية) في كوردستان
ويبدو أن ما يسمى بالفصائل الولائية، وهي التسمية الرائجة للفصائل المسلحة العراقية التابعة في ولائها لطهران، قد تنحت جانباً، ليتولى الحرس الثوري الإيراني المهمة بقصف إقليم كوردستان عبر هجوم بصواريخ باليستية ليل 15 على 16 من الشهر الجاري ليكون الابرز والأكثر قوة من بين كل الهجمات التي شنت سابقا وتحديدا منذ الحرب الجارية في غزة.
إذ جاء القصف بعد مقدمات للحرب الإسرائيلية الإيرانية في جبهات متعددة من دون ان تكون مواجهات مباشرة بينهما، منها مقتل القائد الميداني في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي، في 25 كانون الأول 2023، بغارة إسرائيلية على منطقة عقربا في ريف دمشق، فيما توعدت طهران بالرد في "الوقت والمكان المناسبين".
كما ان تفجير كرمان في ايران، في يوم 4 كانون الثاني 2024، والذي راح ضحيته أكثر من 360 شخصا بين قتيل وجريح وذلك بالقرب من مرقد قاسم سليماني خلال إحياء ذكرى اغتياله، قد جعل الإيرانيين يوجهون أصابع الاتهام إلى إسرائيل رغم إعلان داعش عن تبنيه.
ونتيجة القصف الإيراني على مناطق مدنية في مدينة اربيل، أدى ذلك الى سقوط 11 مدنياً بين ضحية وجريح، فيما تبنى الحرس الثوري تلك الضربات، وقال إنها جاءت "رداً على جرائم النظام الصهيوني ضد الجمهورية الإسلامية والتي كانت آخرها مقتل عدد من قادة الحرس بنيران صهيونية تم استهداف مقر تجسسي رئيس للموساد في إقليم كردستان العراق وتم تدميره بالصواريخ الباليستية".
وعدّ مجلس أمن إقليم كوردستان، القصف الصاروخي الذي شنّه الحرس الثوري الإيراني والذي استهدف به مناطق مدنية في مدينة اربيل "إنتهاكاً صارخاً لسيادة الإقليم والعراق كافة.
الإقليم يحذر بغداد من مخاطر الهجمات
أكثر من موقف رسمي ومن جهات متعددة عبرت عنه حكومة إقليم كوردستان، في رفضها قصف الفصائل المسلحة وحذرت من تبعاته المختلفة على الإقليم والعراق عموماً، منها تصريح رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني في 7 تشرين الثاني 2023، الذي عدّ تعرض منشآت تضم قوات وعناصر أجنبية للقصف في العراق بـ" التطور الخطير"، داعياً رئيس الوزراء العراقي بصفته قائداً عاماً للقوات المسلحة بعدم السماح للقوى الخارجة عن القانون بخلق مشاكل للعراق وإقليم كوردستان"، مؤكداً أن "ذلك لا يصب في مصلحتنا".
كما شدد رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني ليؤكد في 20 تشرين الثاني 2023، على ضرورة عدم دفع العراق صوب الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، مؤكدا بالقول "في حالة الحرب، يجب علينا في العراق وإقليم كوردستان أن نتصرف بحذر أكثر من أي وقت مضى ويجب ألا نسمح للعراق بالتورط في هذه الحرب ولأي سبب كان".
كما ان رئيس الحكومة مسرور بارزاني عبر أيضا عن ضرورة حفظ أمن واستقرار العراق، والا يكون ساحة للصراعات الخارجية.
وفيما تمثل هذه الهجمات انتقاصا من السيادة العراقية سواء كانت إيرانية او غيرها فان التحذيرات الكوردية لم تجد استجابة كبيرة مثلما يتوقع الكورد سواء بالردع او تحجيم دور الميليشيات، حتى وصل الحال بقصف قوات البيشمركة بطائرتين مسيرتين، في 30 تشرين الثاني 2023، وتوجيه رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني بفتح تحقيق شامل بحادثة الاعتداء على حرس إقليم كوردستان في مصيف صلاح الدين بأربيل بحادث وصفه بـ"الإجرامي"، وهو أحدث موقف من بغداد تجاه هذه الهجمات.
اختبار حرج لبغداد
ويبدو أن مفهوم السيادة أصبح على المحك، على الأقل لبغداد، بعد الهجوم الإيراني على أربيل، فبعد البيان شديد اللهجة للزعيم الكوردي مسعود بارزاني، والتنديد الكوردي الذي وصل حتى إلغاء اجتماع كان مقرراً بين رئيس وزراء حكومة الإقليم مسرور بارزاني ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في دافوس، والموقف الشعبي الكوردي تجاه القصف الذي وصل حد مقاطعة المنتجات الإيرانية، ومطالبة القيادات الكوردية لبغداد بحفظ السيادة والا تكون سماء الإقليم ملبدة بالمسيرات، يأتي الدور هنا على بغداد.
وبعد استدعاء القائم بالأعمال الإيراني، وتصريحات وزير الخارجية العراقي بأن إيران لا تستطيع مواجهة إسرائيل فتلجأ لقصف الإقليم، يبدو أن خطوة "الشكوى" العراقية على الجارة الشرقية في مجلس الأمن تبدو مفصلية لإثبات حق بغداد في حفظ سيادتها، وهو اختبار نوعي لطبيعة العلاقات بين البلدين، لكن مع تشكيك بإقامة هذه الخطوة، على الرغم من تصريح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشأن الحادث، والذي اعتبر إن القصف الإيراني يمثل "عملا عدوانيا" و"تطورا خطيرا يقوض العلاقة "القوية" بين بغداد وطهران.