جبال بيضاء بلا ثلوج, استخدمت أحجارها الفريدة من قبل العباسيين لبناء قصورهم في سامراء وتشكيل معالم بغداد.
كثير هي الصناعات المحلية العراقية التي توجد في الطبيعة وما يمتد لها يد الانسان حتى تتحول الى صناعات مهمة تدر المال لمن يعمل فيها وصناعة الأسمنت الابيض العراقي علامة عراقية بامتياز يستخرج منه الجص وكذلك يستخدم في صناعة الرخام للمحلي عرفها العباسيين وبنوا فيها قصورهم في سامراء واستخدموه في خط أساس مدينة بغداد.
جبال يكسوها الابيض
الى الشمال الغربي من محافظة كركوك يوجد سلسلة جبال بيضاء وتحديدا على الطريق الرابط بين كركوك وقضاء الدبس من مسافات طويلة تشاهد الجبال وقممها البيضاء بلا ثلوج، وآليات جديدة كبيرة تكسر الجبال وتحولها الى قطع حجرية كلسية تتحول بأيدي فنانين الى اسمنت ابيض وكذلك يدخل في صناعة أحجار المرمر.
تتوفر في المناطق الشمالية والوسطى والشمالية تكون بشكل مرمر في الترسبات ذات عمق 3 م او تكون بشكل اصداف وهو جبس نقي متبلور او كامل التبلور ويتواجد بين طبقات المرمر وتستعمل لعمل البورك الفني.
أما في الوسطى فيتوفر بشكل ترسبات جبسية تكون ظاهرة على سطح الأرض يتراوح عمقها بين متر او مترين وغير كاملة التبلور.
هو كبريتات الكالسيوم الحاوية على نصف جزيئة ماء تقريبا ويصنع من كبريتات الكالسيوم الحاوية على جزيئتين ماء حيث يحرق بدرجة حرارة حوالي 170 ˚م وعند ارتفاع الحرارة إلى أكثر من 200 ˚م فإن الكبريتات تفقد ماء تبلورها الى ان تتحول الى كبريتات كالسيوم الالمائية الجص.
يقول احد العاملين في معمل صناعة الجص ويدعى عباس الجميلي أن "صناعة الأسمنت الأبيض وما يعرف في محليا بالجص حيث أن الجبال الموجود في عمق اطراف كركوك هي جبال كلسية بيضاء ونقوم بحفر وتكسير هذه الأحجار وبعد أن تصبح على شكل قطع حجرية وبعدها يتم تكسير وطحن الحجارة الكبيرة وتتحول الى قطع صغيرة وبعدها تدخل في فرن حراري يتجاوز درجة الحرارة فيها 400 درجة".
ويتابع الجميلي أنه "عند انتهاء عملية صهر القطع الكلسية تتحول المادة الكلسية الى طحين للمادة ويتم نقلها الى مخازن المعمل ويكون جاهز للاستعمال والبيع ويعتبر جص كركوك واقليم كوردستان من انقى انواع الاسمنت الابيض وكذلك تدخل في صناعة الرخام والمرمر ولكن هذه المادة تكون موجودة في جبال الموصل وكوردستان وكذلك تدخل في صناعة الموزائيك (الكاشي)".
ويشير إلى أنه "يتم تكسير المادة الخام الى حجم يتراوح بين 5- 20 سم وبعدها تدفع المادة الخام المكسرة في فرن أسطواني الشكل ذي قطر بقياس متر واحد ويتركب داخله أقراص من الحديد تدور حول محور وذات فتحات في طرفي الفرن، وتتدحرج المادة الخام ببطء من الاعلى على هذه الأقراص، وبعدها تدفع الى خارج الفرن وخلال مرور المادة الخام المكسرة على هذه الأقراص تحترق بالغازات الحارة المندفعة في اسفل الفرن الى المدخنة وبعدها تنقل المادة الى المطاحن حيث يطحن الى مسحوق ناعم ثم يخزن ويكون جاهز للاستعمال".
ويبين أن "عملية النقل للمنتوج يتم عبر ناقلات كبيرة حسب الأحجام ويتم تحميل المادة الى السيارات عبر قلاب (شفل) وتكون الكميات حسب المطلوب من المنتج حيث السعر ثابت في البيع وهو 60 الف دينار عراقي للمتر الواحد منه حيث سعر الشاحنة الواحد بحجم 6 امتار الى سعر 720 ألف دينار".
ويتابع أن "معامل الجص توفر المادة للسوق المحلية في كركوك بشكل كامل وحتى هناك طلبا عليها في اقليم كوردستان ومحافظة صلاح الدين والسبب لجودة المنتوج، ومعاملنا توفر فرص للعشرات من العاطلين عن العمل وتدخل في صناعات متعددة في الأسواق المحلية".
عمل لا يخلو من خطر
ويروي عامل اخر في احد معامل الجص ويدعى حسان علي ، أن" العمل في معامل الجص في كركوك لا يخلو من الخطر كون العمل فيها صعوبة وهي تكسير الجبال وتحويلها الى قطع صغيرة وفي اي وقت سوف تجد نفسك جثة هامدة لو سقطت عليك اي حجارة كلسية كبيرة وانا تعرضت لأكثر من مرة لهذا الأمر ولكن الله هو خير حافظ".
ويشير إلى أن "أمراض الجهاز التنفسي هي الملازمة للعاملين في هذا القطاع الصناعي ولاننا نعمل في هذا المجال منذ عشرات السنوات ولا نعرف سوى العمل في هذا الجبل الأبيض الذي أشبه ما يكون بالثلج المستمر على مدار السنة ونعمل على فترات مستمرة منذ ساعة الفجر حتى ساعة المساء".
ويتابع أن "الجص مرتبط بعملية البناء وتعتبر الكسوة الداخلية لأي بيت وحتى الخارجية منها ويضاف لها بانها تدخل في الصناعات الاخرى منها الجبس الصناعي والذي تكون مادة الجص الأبيض ويصنع منها قطع مختلفة تدخل في تزيين المنازل من الداخل لم يكن مسكوا بمادة الجص الابيض".
ساسات بغداد العباسية
ويقول المختص في الشأن التاريخي خليل العباسي أن "العباسيين عرفوا هذه المادة اي مادة الجص واستخدموها في بناء قصورهم في سامراء وبغداد واستعملوها في رسم تأسيس بغداد عاصمة لهم فهم كانوا يستخدمونها بشكل أحجار متوسطة وكذلك كعجين تدخل في بناء قصورهم وهي شاخصة وموجودة في جميع المواقع يمكن مشاهدتها في سامراء في قصر العاشق وملوية سامراء والمدرسة المستنصرية في بغداد".
مادة أساسية في البناء
ويقول أحد العاملين في البناء ويدعى رشيد خورشيد ، إن "الجص تعتبر مادة اساسية في البناء حيث يستخدم في اكساء المنازل داخليا ويعتبر من المواد الاساسية في البناء ويعتبر جص كركوك الاكثر نقاوة وجودة في كركوك لما يمتاز به من النقاوه والبياض الشديد ونحن نعمل في كسوة المنازل (لبخ) كما يعرف محليا وتدر علينا الأموال وفي كل منزل يكون المساحة هي الفيصل لمعرفة الكميات المستخدمة وتكلفة الانجاز".