بين الحروب والفقر والمخدرات.. الصحة النفسية في العراق تحت وطأة الإهمال الحكومي
الصحة النفسية تمثل حالة من الرفاهية النفسية تتيح للفرد مواجهة تحديات الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلم بفعالية، والمساهمة في مجتمعه. وتُعتبر الصحة النفسية حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، ولها دور محوري في التنمية الشخصية والاجتماعية والاقتصادية.
إن تعزيز الصحة النفسية والاهتمام بها لا يقل أهمية عن العناية بالصحة الجسدية، بل يُعتبر جزءًا أساسيًا من التكامل بينها. يواجه الأفراد العديد من الضغوط الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والعاطفية التي تؤدي إلى الإرهاق والتوتر والاكتئاب، وكلها تؤثر بشكل كبير على صحتنا النفسية. وتلعب الحالة النفسية دورًا مهمًا في الأنشطة اليومية والتواصل مع العائلة والأصدقاء والمجتمع بشكل عام.
الصحة النفسية في العراق
وعن العراق، في بلد استنزفته النزاعات، لا يزال الاهتمام بالصحة النفسية محدودا، إذ تتكلّم الأرقام عن نفسها. حيث يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص في بلد يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، أي دون المعدل العالمي بكثير، وفق منظمة الصحة العالمية، المقدر بـ 1.7 لكل مئة ألف نسمة.
ويعتبر العديد من الناشطين في مجال الصحة النفسية وحقوق الإنسان أن ملف الصحة النفسية "مهمل" في العراق من السلطات المتعاقبة، ولذلك "فالمجتمع غير مدرك له"، وإن التراكمات في تدهور الصحة النفسية لدى العراقيين ناجمة عن الحروب والخوف والقلق والمراحل الدامية في تاريخ العراق ومن بينها الانتهاكات التي ارتكبها تنظيم داعش في السنوات الأخيرة، كما أن الحرب المتواصلة بين إسرائيل وحركة حماس أعادت إحياء الصدمات النفسية، وباتت شبه متلازمة للعراقيين.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فان واحداً من بين كل أربعة عراقيين يعاني هشاشة نفسية، في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، مقارنة مع 209 أطباء لكل مليون شخص في بلد كفرنسا مثلا. كما أن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز اثنين في المئة من ميزانيته للصحة.
الإحراج
ويشير الأطباء النفسيين في العراق إلى أن الاعتراف بوجود مشكلة نفسية يسبب الإحراج، لكن الموضوع بدأ يصبح "أكثر قبولا" في المجتمع، فوصمة الطب النفسي موجودة في العراق كما في كل أنحاء العالم، لكنها في السنوات الأخيرة بدأت تتراجع، إذ أصبح الناس لديهم نوعا ما تقبّل أكثر للطب والعلاج النفسي.
الأرقام العالمية
وتكشف منظمة الصحة العالمية، أن الانتحار يأتي في المركز الرابع عالميا بين أسباب الوفاة في صفوفِ الشباب الذين تتراوح أعمارُهم بين 15 و29 عامًا. وتضيف المنظمة أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 700 ألف شخص في العالم يموتون كل عامٍ بسبب الانتحار، وعلاوة على ذلك، فإن كل حالة انتحار ناجحة يقابلها عدد أكبر بكثير من الأشخاص الذين يحاولون الانتحار ولا ينجحون.
إحصائيات ونسب عراقية
وللمرة الأولى، كشفت وزارة الداخلية، في 3 شباط 2023، عن عدد حالات الانتحار خلال نحو السنوات التسع الماضية في العراق، وأظهرت تلك الاحصائيات تصاعداً مستمرا لهذه الظاهرة، لأسباب يعزوها المختصون إلى ثلاثة جوانب رئيسية (النفسي، الاقتصادي، الاجتماعي). ويعرف مدير الشرطة المجتمعية العميد نبراس محمد علي في حديث له، أن الانتحار هو فشل المنظومة الداخلية في الدفاع عن النفس التي يجب أن تكون مكيفة لمواجهة كافة الضغوط النفسية والاقتصادية
وسجلت حالات الانتحار في العراق من عام 2015 إلى 2022 ما عدا إقليم كوردستان:
2015 بلغت 376 حالة
في 2016 بلغت 343 حالة
في 2017 بلغت 449 حالة
في 2018 بلغت 519 حالة
في 2019 بلغت 588 حالة
في 2020 بلغت 644 حالة
في 2021 بلغت 863 حالة
في 2022 بلغت 1073 حالة
في 2023 بلغت 700 حالة.
عام 2024: 285 حالة انتحار
وبحسب وزارة الداخلية، "إن الأجهزة الامنية سجلت منذ بداية عام 2024 حتى يوم السبت 11 أيار 2024، 285 حالة انتحار بين الذكور والإناث في عموم العراق عدا إقليم كوردستان، من بينهم منتسبين امنيين وموظفين حكوميين".
وتكشف الوزارة أن "أسباب الانتحار للعام الحالي كانت متنوعة بينها مشاكل عائلية، أو مالية، وحالتين بسبب الرسوب في المدرسة وحالة واحدة بسبب العلاقات العاطفية".
الابتزاز... أخطر التهديدات
وتشير التحقيقات في عام 2024 إلى أن الابتزاز أحد أهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى إزهاق حياتهم، كما دوافع أخرى كنتائج الامتحانات العامة ومعارضة الزواج. إذ أوضحت الباحثة النفسية والاجتماعية مروة الخفاجي أن الانتحار يكون أبرز الحلول لهؤلاء للتخلص من ضغوط الابتزاز، كما الوضع الاقتصادي هو من أبرز العوامل.
ويعتبر الابتزاز والتهديد والضغوط النفسية هي أساليب يستخدمها البعض بحق الشباب وخصوصاً فئة المراهقين تدفع بعضهم إلى الانتحار، وأبرزها الابتزاز الالكتروني الذي يشكل تهديدا متزايدا على الخصوصية والأمن الشخصي إذ يشهد الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تزايداً في حالات الابتزاز بأشكاله المختلفة الأمر الذي يدفع البعض إلى الانتحار هرباً من الفضيحة والوصم المجتمعي وقد تتعدد أشكال الابتزاز، حيث يلجأ المجرمون إلى نشر معلومات خاصة أو حساسة مقابل إقامة علاقة جنسية غير شرعية أو مبلغ مالي أو التهديد بالتشهير والتعرض للسخرية".