العراق في مرمى النيران.. كيف ستتأثر اقتصادات العالم في حال استهداف إسرائيل لمنشآت النفط الإيراني؟
ذكر "معهد واشنطن" الامريكي ان، اي هجوم كبير لاسرائيل على منشآت النفط والطاقة في ايران، سيثير تداعيات خطيرة بما في ذلك احتمال تضرر امدادات الطاقة عالميا وتحديدا من الخليج والسعودية وغيرها، وسيتأثر بذلك العراق والصين وتركيا ايضا، ولهذا يتحتم على ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن الاستمرار في الضغط على اسرائيل لكي تركز في هجماتها المحتملة على ايران على مواقع ومنشآت عسكرية أو أمنية.
وأشار التقرير الأمريكي إلى انه عندما قصفت القوات الجوية الاسرائيلية في 29 سبتمبر/ايلول الماضي، منشآت نفطية تابعة للحوثيين في اليمن للمرة الثانية منذ يوليو/تموز، فإن المراقبين أكدوا أن المسافة التي تزيد عن 1600 كلم كانت بمثابة تحذير لإيران، التي تعد حقولها النفطية الرئيسية أكثر قربا، مضيفا أن هناك أدلة إضافية على ان إسرائيل قد تفكر في القيام بضربات ضد صناعة النفط والغاز الايرانية بعدما تعهدت برد كبير على الهجوم الصاروخي الباليستي الايراني الضخم في الأول من تشرين الاول/اكتوبر ضدها.
لكن التقرير الأمريكي ، اعتبر أن العواقب لمثل هذا الهجوم الاسرائيلي على منشآت الطاقة الايرانية، على أسواق الطاقة الاسرائيلية والخليجية والعالمية، يمكن أن تكون كبيرة، مشيرا في الوقت نفسه الى ان لدى ايران خبرة واسعة في الحفاظ على قدرات الإنتاج والتصدير مثلما جرى معها في الثمانينيات خلال الحرب الايرانية العراقية المدمرة اقتصاديا.
ورأى التقرير أنه بالنسبة الى اسرائيل، فانه من الواضح ان هذا القطاع الإيراني يحمل مجموعة غنية من الاهداف، الا انه بالنظر الى التأثيرات التي يمكن أن تتسبب بها مثل هذه الضربة على البنية التحتية الخاصة باسرائيل نفسها، بالاضافة الى تأثيرها المحتمل على أسواق الطاقة الاقليمية والعالمية، فانه قد يكون من الأفضل النظر في أهداف اخرى.
وقال التقرير إن نقاط الضعف الرئيسية في إيران هي محطات الضخ، وتقاطعات خطوط الأنابيب، ومرافق التصدير، مشيرا على سبيل المثال الى نقاط التقاطع في شمال جزيرة خرج، والتي تعتبر بمثابة نقطة التقاء ساحلية لجميع خطوط الأنابيب في جنوب غرب إيران، حيث تقع حقول النفط الرئيسية في إيران.
ولفت التقرير الى ان الانتاج الايراني من النفط الخام يبلغ حاليا حوالي 3.95 ملايين برميل يوميا، بينما يتم استخدام حوالي 2 الى 2.4 مليون برميل يوميا منها كمواد خام للتكرير للاستهلاك المحلي في حين يتم تصدير الباقي، مضيفا ان صادرات النفط الايرانية بلغت 1.82 مليون برميل يوميا في آذار/مارس، وذهب معظمها الى الصين.
وفي الوقت نفسه، قال التقرير إن ايران تعتبر أيضا ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بحوالي 684 مليون متر مكعب يوميا، الا انه ايضا تستورد الغاز لان جزءا كبيرا من انتاجها يتم استهلاكه محليا لتوليد الكهرباء والتدفئة، حيث انه خلال موسم البرد، يمكن أن يصل استهلاك الغاز المنزلي في إيران الى 700 مليون متر مكعب يوميا، مما يؤدي الى حدوث نقص حاد.
ولهذا، ذكر التقرير بأن ايران وقعت في الاول من تشرين الاول/اكتوبر، "اتفاقية استراتيجية" طويلة الأمد مع شركة "غازبروم" الروسية، والتي بموجبها ستحصل على 300 مليون متر مكعب يوميا من الغاز عبر خط أنابيب تخطط موسكو لبنائه تحت بحر قزوين.
واستعرض التقرير ما لدى ايران من محطات تكرير مشيرا إلى أن عددها لا يقل عن 28 مصفاة للنفط والمكثفات والغاز والموزعة في أنحاء البلاد كافة، إلا أن أكبرها هي مصفاة تكرير مكثفات الغاز "نجمة الخليج الفارسي" الواقعة في غرب بندر عباس، بالقرب من مضيق هرمز، والتي أقامها الحرس الثوري الإيراني ويديرها جزئيا، وتبلغ طاقتها الانتاجية 480 ألف برميل يوميا من المكثفات، وهو ما يمثل حوالي 19 % من إجمالي المواد الخام اليومية لمصافي التكرير في ايران.
وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير إن ايران تدير حوالي 60 مصنعا للبتروكيماويات، يمكن ان تستخدم بعضها احيانا لانتاج البنزين في أوقات الطوارئ، مشيرا الى ان ايران هي واحدة من أكبر الدول المستهلكة للبنزين في العالم، وأن سياراتها هي من بين أقل السيارات كفاءة في استهلاك الوقود.
وتابع التقرير ان ايران ليست معروفة بأنها مصدر رئيسي للمنتجات النفطية المكررة، الا ان هناك بعض الاستثناءات، إذ تقوم بالتصدير الى دول حليفة مثل: سوريا وفنزويلا. وبالنسبة الى محطات التصدير والتخزين، فقد قال التقرير إن جزيرة خرج في شمال الخليج، تعتبر محطة تصدير النفط الخام الرئيسية في ايران، وتبلغ طاقتها التحميلية الحالية حوالي 5 ملايين برميل يوميا.
كما ان لدى ايران خزانات ضخمة فوق الارض تخزن ما بين 50 الى 60 % من مخزون النفط والمنتجات الايرانية، وهي معرضة للهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة والهجمات الجوية. كما تمتلك ايران ايضا عددا محدودا من مرافق التخزين تحت الأرض في مارون وغوره، والتي تعتبر اكثر امانا بشكل عام من احتمال تعرضها للأعمال العدائية.
بالاضافة الى ذلك، لدى إيران 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في موقعين محصنين للتخزين تحت الأرض في السراجة بالقرب من قم والشوريجة بالقرب من شيراز، من أجل تأمين الإمدادات لموسم البرد.
وبرغم إشارة التقرير إلى ان قطاع النفط الايراني، يواجه منذ سنوات العقوبات ويعاني من نقص الاستثمار الأجنبي، ويواجه صعوبة في الحصول على قطع الغيار والتقنيات الحديثة، الا انه قال ان الهجوم الناجح على محطات الضخ او نقاط تقاطع خطوط الأنابيب، يمكن أن يعطل بشدة نقل النفط وتصديره خصوصا من خرج ومحطة جاسك الجديدة الواقعة خارج مضيق هرمز.
لكنه لفت إلى ان مثل هذه الهجمات الكبيرة على منشآت كهذه، قد يعطل تدفقات النفط الايراني لاسابيع او حتى اشهر، مضيفا في الوقت نفسه، ان تحقيق مثل هذه النتيجة سيتطلب جهدا عسكريا كبيرا باستخدام اسلحة قوية عالية الدقة وطائرات مسيرة ، او من خلال عمليات تخريب، بما في ذلك من خلال الهجمات السيبرانية التي قد تعطل انظمة التحكم في المصافي وخطوط الأنابيب ومحطات التصدير، على غرار ما جرى مثلا في العام 2023، حيث من المعتقد أن شبكة توزيع الوقود استهدفت بهجمات الكترونية اسرائيلية تسببت بتعطيل إمدادات البنزين على مستوى البلاد طوال أسابيع ما أثر على الاف محطات الوقود، وخلقت طوابير طويلة.
الا أن التقرير قال إن التوترات الجيوسياسية المتفاقمة في الشرق الأوسط أدت بالفعل إلى ارتفاع أسعار النفط، التي كانت عند أدنى مستوى للسبعين دولارا للبرميل ولكنها وصلت إلى أكثر من 80 دولارا في السابع من اكتوبر/تشرين الاول، مضيفا ان المملكة السعودية برغم أنها تحتاج إلى سعر مرتفع نسبيا، ربما 100 دولار للبرميل، بالنسبة لمشاريع ولي العهد الأمير محمد التنموية الطموحة المتمثلة بـ"رؤية 2030"، الا ان مثل هذه المشاريع تحتاج ايضا الى السلام والاستقرار الإقليميين، وهو ما يفسر التردد السعودي الملحوظ في الانجرار إلى حرب أوسع في الشرق الاوسط. واضاف التقرير انه من الناحية النظرية، فإنه بمقدور الرياض تعويض أي نقص في إمدادات النفط العالمية بسبب هجوم اسرائيلي على البنية التحتية الايرانية، الا ان وقوع حقول ومنشآت النفط الرئيسية في المملكة مباشرة عبر الطرف الآخر من الخليج مقابل ايران، يجعلها هي الاخرى معرضة للهجوم، على غرار ما جرى في سبتمبر/أيلول العام 2019 على مجمع بقيق السعودي.
والى جانب ذلك، قال التقرير إن "أي ضربات إسرائيلية ضد صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات الايرانية من المرجح ان تؤدي الى محاولات ايرانية و"وكلائها" لمهاجمة أهداف الطاقة الاسرائيلية الرئيسية والتي تشمل المصافي في حيفا وأسدود، واكبر محطات الطاقة وتحلية المياه، وحقول الغاز البحرية الثلاثة.
وتابع التقرير ان تفاقم التصعيد، قد يؤدي الى تهديدات ضد المنشآت النفطية في دول مجلس التعاون الخليجي، وتعطيل الشحن التجاري عبر المنطقة، أو تهديد الأصول البحرية الغربية، مذكَّرا بان ايران سبق لها ان هددت باغلاق مضيق هرمز اذا لم تعد قادرة على تصدير نفطها. ومع ذلك، قال التقرير إن اي تعطيل من هذا القبيل كرد على الهجوم الاسرائيلي قد يقود الى المزيد من التدخل الغربي، وهو احتمال قد ترغب طهران في تجنبه.
ولفت التقرير إلى ان تركيا والعراق يستوردان الغاز الطبيعي من ايران، وهذه الواردات تعتبر حيوية لتوليد الكهرباء والتدفئة، ولهذا فإن اي انقطاع في انتاج الغاز الايراني سيؤثر على هذين البلدين.
وختم التقرير بالتذكير بتصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في 4 تشرين الاول/أكتوبر، والتي دعا فيها الى الامتناع عن شن هجمات على منشات النفط الايرانية، مضيفا انه يتحتم على الادارة الامريكية الاستمرار في ثني اسرائيل عن ضرب مثل هذه الاهداف الايرانية.
وفي المقابل، اعتبر التقرير ان إسرائيل بمقدورها أن تحقق تأثيرات أفضل من خلال تركيز أي هجوم على مؤسسة عسكرية او أمنية واستخباراتية واحدة تابعة للنظام، وخاصة الحرس الثوري او مقر الباسيج، او منشآت تدعم بشكل مباشر برنامج الصواريخ الايراني، او منشأة اقليمية مرتبطة بعمل "الوكلاء".
وخلص التقرير الى القول انه مهاجمة هدف تابع للنظام من شأنه ان يمثل خطرا أقل للتصعيد الى حرب شاملة، وقد لا يحمل المستوى نفسه من المخاطر على امدادات الطاقة الاقليمية والعالمية ايضا.