البنتاغون: المعلومات الاستخبارية العراقية "أكثر جودة".. هل يعني لا حاجة لوجود قوات التحالف في العراق؟
يواصل “العراق” حربه ضد تنظيم (داعش) الإرهابي من خلال تنفيذ عمليات أمنية محكمة وطلعات جوية؛ خاصة في “جبال حمرين” ومناطق “صلاح الدين”.
رئيس الوزراء العراقي؛ “محمد شيّاع السوداني”، أعلن عن مقتل “والي العراق في تنظيم (داعش)”؛ مع (08) من كبار قادة التنظيم، مشددًا على أنه لا مكان في “العراق” للإرهاب.
وقال “السوداني” في تدوينةٍ على منصة (إكس): “أبارك لأبناء شعبنا الكريم مقتل ما يسُّمى والي العراق في تنظيم (داعش) الإرهابي، و(08) من كبار قيادات التنظيم، في العملية البطولية النوعية لجهاز مكافحة الإرهاب والأمن الوطني، وبإشراف العمليات المشتركة، التي استهدفت جحور الإرهاب المختبئين بها في جبال حمرين”.
تمت بتبادل استخباري للمعلومات..
من جهتها؛ قالت “قيادة العمليات المشتركة” في بيان؛ إن العملية جرت: “بإسناد فني وتبادل للمعلومات الاستخبارية الدقيقة من قبل قوات التحالف الدولي”.
وأفاد البيان؛ بأن العملية جاءت بعد متابعة استمرت ستة أشهر تضمنت سلسلة من الاجتماعات الأمنية، وتمت بمشاركة من “جهاز المخابرات الوطني” العراقي و”جهاز مكافحة الإرهاب” و”فرقة القوات الخاصة” و”الفرقة الخامسة”، بإسناد من القوة الجوية وطيران الجيش، وبدعم فني ولوجستي من مستشاري “التحالف الدولي”.
وبحسّب البيان؛ أسّفرت العملية، التي تضمنت ثلاث عمليات برية وإنزال للقوات المحمولة جوًا، عن مقتل: (14) من قيادات (داعش)، والاستيلاء على أسلحة وأعتدة ومواد لوجستية، وضبط حواسيب وهواتف ومبرزات جرمية، وتفجير أكثر من (10) أحزمة وعبوان ناسفة تحت السيّطرة، وتدمير وحرق (07) عجلات كانت تستخدم من قبل التنظيم.
وأكد البيان أن العملية استندت إلى معلومات استخبارية دقيقة وعمل فني وميداني مستمر، بالتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية العراقية و”التحالف الدولي”.
أصبحت أكثر جودة..
وفي تعليقه له الأميركية؛ قال “مارك كيميت”، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، إن: “المعلومات الاستخبارية لدى القوات العراقية أصبحت أكثر جودة لتسُّهل عملها بقتل عناصر (داعش)، وأعتقد أن عدد عمليات التنظيم لا يبعث على القلق، ولا يُشير إلى صعود في نشاطه”.
وبشأن مستقبل العلاقات العسكرية بين “واشنطن” و”بغداد”، أكد “كيميت”؛ أن: “الحديث عن نهاية مهمة (التحالف الدولي) في العراق، لا يعني أنه لن تكون هناك علاقات عسكرية ثنائية. هناك تنسيق عسكري وثيق، لا يعني بالضرورة وجود جنود على الأرض”.
وأضاف: “جنودنا وجنود (التحالف الدولي) يعملون داخل مراكز العمليات للقوات العراقية، ويقدمون لها المعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي والمعدات. عندما نتحدث عن التعاون العسكري، هذا يتجاوز العناصر على الأرض”.
وحول آلية التمويل التي يستخدمها (داعش)؛ قال المسؤول الأميركي الأسبق: “عندما كنت في الحكومة رأيت (داعش) و(القاعدة) يحصلون على الأموال من الإتجار بالبشر والعبودية وفرض الضرائب على السكان المحليين، ومصادرة الممتلكات، ومما يحزن أن دولاً أجنبية كانت تدعمهم، لكن بشكلٍ أساس تأتي الأموال من العمليات غير القانونية، خاصة في مجال التهريب”.
بحسب زعمه. الخبراء في المجال الأمني؛ أكدوا أن مقتل من يسُّمى: بـ”والي العراق” لتنظيم (داعش) في مناطق نائية من سلسلة “جبال حمرين”؛ (شمال شرقي العراق)، سيكون له تأثير كبير في تقليل العمليات الإرهابية التي تنُفذها فصائل ومفارز مسلحة تابعة لتنظيمات (داعش) في “العراق”.
يضُعف المعنويات ويُقلل من العمليات..
يوضح اللواء “جبار ياور”؛ الأمين العام السابق في وزارة (البيشمركة)، الأميركي، أن تنظيم (داعش) لديه مجموعة من القياديين الذين يقودون التنظيم في “سورية والعراق وليبيا” وبعض الدول الأخرى، واستهداف هؤلاء القياديين في التنظيم يضُعف معنوياتهم، ويُقلل من العمليات العسكرية التي يقوم بها أنصار التنظيم في مناطق مختلفة من البلاد.
وأوضح “ياور” أن تأثير تنظيم (داعش) على المجتمع العراقي تراجع خلال السنوات الأخيرة: “بفضل التنسيق الكبير بين الأجهزة الأمنية العراقية وقوات التحالف الدولية”، وذكر أن أغلب عناصر تنظيم (داعش) ينتشرون في الشريط الفاصل بين مدن “إقليم كُردستان” وبقية المحافظات العراقية، الذي يبدأ من منطقة “خانقين” على الحدود الإيرانية وينتهي في منطقة “سحيلة” عند الحدود “السورية-العراقية” بطول: (600) كلم.
فراغات أمنية..
مبّينًا أن هناك فراغات أمنية كثيرة وواسعة تقع في هذه المناطق: “يصل مساحاتها في بعض الأماكن إلى (40) كلم طولاً و(40) كلم عرضًا”؛ مما يسمح للفصائل التابعة لتنظيم (داعش) بالتحرك بحرية في تلك المناطق، وتنفيذ بعض العمليات الإرهابية فيها.
وبخصوص أعداد المنضوين في هذه التنظيم بـ”العراق”، أكد “ياور” أنه لا توجد أرقام مؤكدة بشأن إحصائياتهم، موضحًا أن: “أعدادهم قليلة تتراوح ما بين: (300) إلى (500) عنصر في عموم العراق”، وما يؤكد ذلك قلة العمليات الإرهابية التي نفذها عناصر التنظيم خلال الأشهر التسعة الأخيرة، إذ لم تتجاوز (20) عملية، وهي قليلة بالمقارنة مع العمليات التي نفذتها تلك العناصر في العام 2018؛ إذا بلغت آنذاك أكثر من (400) عملية، بحسّب قوله.
إنشاء لواءين مشتركين..
وذكر “ياور” أن الحكومة الاتحادية نسّقت مع وزارة (البيشمركة)؛ في حكومة “إقليم كُردستان العراق”، من أجل سّد الفراغات التي تُعاني تخلخلاً أمنيًا في محافظات: “كركوك وصلاح الدين وديالى والأنبار”، مشيرًا إلى أنه: “تم إنشاء لواءين مشتركين من قوات (البيشمركة) والجيش العراقي، ستكون مهتمهما التمركز في المناطق الرخوة أمنيًا، التي ينشط فيها عناصر تنظيم (داعش)”.
وبحسّب قوله؛ فإنّ هذين اللواءين تم تعيّين منتسّبيها وصرف رواتبهم من قبل الحكومة الاتحادية، لكنه لم يتم نشرهم في هذه المناطق، لأنهم بحاجة إلى تدريبات وتجهيزات وأسلحة ومعدات للبدء بمهامها.
التنسّيق سبب نجاح العملية..
من جانبه؛ ذكر اللواء “تحسين الخفاجي”، المتحدث باسم “قيادة العمليات المشتركة”، أن عملية مقتل (والي العراق) لتنظيم (داعش)، تمت بجهود مشتركة بين “قوات التحالف الدولية” والقيادات الأمنية العراقية.
وأكد أن: “(التحالف الدولي) كان دوره منصبًا على دعم القوات العراقية بمعلومات استخبارية، والعملية كانت دقيقة جدًا، جاءت نتيجة عمل وتخطيط لمدة ثلاثة أشهر”، مشيرًا إلى أن العملية قد أسفرت عن مقتل: (09) من عناصر التنظيم من بينهم: (والي العراق)، والعملية بحسّب قوله مازالت مستمرة لحين التأكد والتحقق من القتلى عن طريق الـ (DNA). لافتًا “الخفاجي” إلى أن العمليات العسكرية ضد تنظيمات (داعش) ستستمر بالتنسّيق مع قوات “التحالف الدولية”: “لحين القضاء على آخر داعشي في العراق”، لا سيّما في المناطق الوعرة التي يتمركزون فيها في سلاسل “جبال حمرين”.
وبيّن “الخفاجي”؛ أن نجاح هذه العملية جاء نتيجة التعاون والتنسّيق العالي بين القيادات الأمنية العراقية و”قوات التحالف الدولية”؛ التي تدعم باستمرار القوات العراقية بالمعلومات الاستخباراتية والفنية والتدريبية وحتى التجهيز بأحدث أنواع الأسلحة والعتاد.
لا يمكنهم التحشّيد البشري..
في حين أكد الخبير الأمني؛ العميد “عدنان الكناني”، أن تنظيم (داعش) في “العراق” لا يمُكنه القيام بالتحشّيد البشري حاليًا، لأن كل المنتمين لهذا التنظيم: “مطلوبون قضائيًا لدى الأجهزة الأمنية العراقية”، فضلاً أن المجتمع العراقي: “ينبذُ هذا التنظيم بعدما كشفت حقيقته لدى الجميع”، بفعل الجرائم التي ارتكبوها ضد أبناء الشعب العراقي؛ بحسّب تعبيره.
ويرى “الكناني”؛ أن مقتل قائد تنظيم (داعش)، أو ما يسُّمى: “والي العراق”، من شأنه زعزعة صفوف تنظيمات (داعش) الموجودة في “العراق”، لا سيّما أن العمليات العسكرية مستمرة ضد عناصر التنظيم في جميع أنحاء “العراق”، خاصة في المناطق الرخوة التي تُعاني فراغًا أمنيًا.
أسباب وجود نشاط للتنظيم..
وهو يرى أن استمرار وجود نشاط لهذا التنظيم داخل “العراق” إلى الآن، يعود لأسباب عدة، من بينها أن قادة هذا التنظيم: “مرتبطون بتنظيمات دولية تدعمهم وتقودهم”؛ كما أنهم داخليًا: “يقتاتون على الخلافات السياسية بين الأحزاب العراقية”.
لافتًا إلى أن موقع مخيم (الهول)؛ بالقرب من “العراق”، يُعد سببًا لقدوم أتباع هذا التنظيم إلى “العراق”، وعّد المخيم: “بمثابة قنبلة موقوتة”، لأنه يضم أكثر من: (60) ألف داعشي من بينهم: (9500) من غير العرب، محذرًا أن هذا المخيم صار: “أشبه بأكاديمية لنشر الفكر الداعشي”، داعيًا المجتمع الدولي إلى ضرورة العمل على إزالة هذا المخيم، والتخلص منه، لأن غالبية الذين يعيشون هناك هم بمثابة أدوات للقتل، فهم يرون أن القتل حالة صحية، بحسّب تعبيره.
ويرى “الكناني” أن أفراد تنظيم (داعش)؛ الذين تم نقلهم من مخيم (الهول) إلى مخيم (الجدعة)؛ جنوب “الموصل”، لا يُشّكلون خطرًا كبيرًا على “العراق”، مؤكدًا أنهم بحاجة إلى اهتمام أكثر من الجهات المعنية، لكي يستطيعوا الاندماج مع المجتمع، والخروج من دائرة الفكر الداعشي، مبينًا أنهم لا يستطيعون الالتحاق بعناصر تنظيم (داعش) ومفارزها التي تنُفذ عمليات إرهابية في “العراق”، بين الفيّنة والأخرى.
من هو “والي العراق” ؟
آخر ولاة تنظيم (داعش) في “العراق”؛ الذي ظهر اسمه في وسائل الإعلام مع صورة تكاد تكون وحيدة له، هو: “جاسم خلف داود المزروعي”، وكنُيته: “أبو عبدالقادر عبدالكريم”، من مواليد محافظة “ديالي” (شرق)، غير البعيدة عن “حمرين”.
وتمكّنت قوة مشتركة من جهازَي “مكافحة الإرهاب” و”الأمن الوطني”، بمساعدة “التحالف الدولي”، من قتل: (08) من كبار مساعدي “المزروعي”، وفقًا لبيان “العمليات المشتركة”. وبرُغم المعلومات الشحيحة عنه؛ فإن الخبير الأمني المتخصّص بشؤون الجماعات الإرهابية؛ “فاضل أبو رغيف”، قال لـ (الشرق الأوسط)، إن: “المزروعي؛ وُلد في قرية المزاريا، ضمن ناحية يثرب في محافظة ديالي”.
وأضاف “أبو رغيف”؛ أن: “جهازَين تقاسما مهمة القضاء عليه، وهما: جهاز مكافحة الإرهاب بالدرجة الأساس، وجهاز الأمن الوطني بمعلومات ساندة”، وتابع: “المزروعي، وكنُيته أبو عبدالقادر عبدالكريم، تم تعيّينه واليًا على العراق قبل أقل من عام، ناهيك عن أن التنظيم لم يُعد يعتمد على القيادات، إنما يعتمد على ما يسّمونه روح الجماعة”.
ويعني ذلك، وفقًا للخبير الأمني، أنه: “إذا قُتل أي أحد من القيادات يَحُلّ محله مَن ينوب عنه”. وكان “المزروعي” قد التحق بتنظيم (داعش) في عام 2014. وبشأن أهمية استهدافه في هذه العملية؛ يقول “أبو رغيف”، إنه: “يمثّل نقلة نوعية في سيّر العمليات في سلسلة جبال حمرين، وبالتحديد المكان الذي تم قتله فيه مقابل حقول (علّاس) النفطية”.
حصن “حمرين”..
تحوّلت “جبال حمرين” إلى حاضنة للجماعات المسلحة؛ ويقول “أبو رغيف”، إن: “المنطقة تحوي أخطر: (03) وديان؛ وادي زغيتون، ووادي الشاي، ووادي أم الخناجر، فضلاً عن مرتفعات ماما التي تُعدّ ملاجيء مهمة؛ كونها مناطق وعرة، ومناطق لا تستطيع أي مدولبة أو مجنزرة أو دبابة أن تقتحمها؛ لأن التنظيم يتحصّن هناك، وينفّذ عملياته من خلالها”.
ومنذ انتهاء العمليات العسكرية ضد (داعش)؛ في عام 2017، نفّذت القوات العراقية والأميركية عمليات ركّزت على منطقة “جبال حمرين”، التي تقول تقارير إن كهوفها تحوّلت إلى ملاذًا لما تبقّى من خلايا التنظيم. وتمتد سلسلة “جبال حمرين” على مساحات شاسعة من محافظة “ديالي”؛ شرق “بغداد”، مرورًا بمحافظتَي “صلاح الدين” و”كركوك”، حتى مناطق في “إقليم كُردستان”. ومع أن هذه السلسلة كانت بمثابة بيئة آمنة لعدد من أبرز قيادات تنظيم (القاعدة) من قبل، وتاليًا تنظيم (داعش)، فإنها الآن وبعد سلسلة الضربات التي تلقّاها التنظيم لم تَعُد كذلك، وفقًا لقادة في الجيش العراقي.