مقبرة اليهود في بغداد.. جذور تاريخية منسية
ذكرت صحيفة "الغيمينر" الأمريكية المتخصصة بالشؤون اليهودية والإسرائيلية، أن المقبرة اليهودية في بغداد، تمثل فصلاً منسياً من تاريخ العراق عندما ساهمت الأقلية اليهودية في عصره الذهبي، ما عزز مكانة اليهود كجزء حيوي من هوية المدينة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية في تقرير، إلى أن المقبرة اليهودية القديمة، هي من بقايا الجالية اليهودية التي كانت مزدهرة في الماضي، وتحمل قصص الأجيال التي ساهمت في النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للعراق، مضيفاً أنها كانت أكثر من مجرد مقبرة، حيث أنها ترمز إلى الجذور العميقة لحياة اليهود في بغداد عندما كانت هذه المدينة موطناً لإحدى أكثر الجاليات اليهودية حيوية في العالم العربي.
وبداية ذكرّ التقرير بأن الوجود اليهودي في بلاد ما بين النهرين يرجع إلى أكثر من 2500 عام، بدءاً من السبي البابلي في العام 586 قبل الميلاد، مشيراً إلى أنه بعد تدمير الهيكل الأول على يد الملك نبوخذنصر، استقر اليهود المنفيون في بابل، وتعايشوا مع ظروفهم الجديدة مع احتفاظهم بتقاليدهم.
وتابع التقرير أنه بحلول الوقت الذي غزت فيه الجيوش العربية بلاد ما بين النهرين، كانت الحياة اليهودية راسخة بشكل عميق في المنطقة، مضيفاً أن بغداد التي تتمتع بموقع إستراتيجي على نهر دجلة، كانت مركزاً للتجارة والثقافة، وجذبت التجار والحرفيين والعلماء اليهود، في حين ساهمت الطائفة اليهودية على مر القرون بشكل كبير في العصر الذهبي لبغداد، مما عزز مكانة الطائفة كجزء حيوي من هوية المدينة.
وأوضح التقرير أنه خلال القرن التاسع عشر، أقام السكان اليهود في بغداد مقبرة في منطقة الباب الشرقي، حيث تحولت هذه المساحة إلى مخزن للذاكرة التي تروي بالعبرية والعربية المرثيات اليهودية حول قصص هؤلاء الذين رحلوا، مضيفاً أن المقبرة تشكل رمزاً لصمود المجتمع الذي ازدهر وساهم في إثراء المشهد الثقافي والاقتصادي في بغداد، على الرغم من الاضطهاد.
وبعدما لفت التقرير إلى أنه بحلول أوائل القرن العشرين، كان اليهود يشكلون جزءاً كبيراً من سكان المدينة، ولهم شبكة مزدهرة من المعابد والمدارس والشركات، اعتبر أن تدمير المقبرة في عهد الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر خلال سبعينيات القرن الماضي، كان بمثابة خسارة فادحة حيث كانت تضم أيضاً ضحايا مذبحة "الفرهود" التي وقعت في العام 1941، من أجل إقامة محطة حافلات النهضة.
واعتبر التقرير أن مثل هذا العمل بمسح المقبرة، يعكس السردية البعثية الأوسع للنظام، والذي يمجد شخصيات مثل رشيد عالي الكيلاني، المؤيد للنازية والمتورط في قضية "الفرهود"، بينما يقوم في المقابل، بمحو إرث المجتمع اليهودي. ورأى التقرير أن هذه الإهانة الرمزية كبرت بشكل إضافي من خلال إعادة تسمية المنطقة المحيطة باسم الكيلاني، مضيفاً أن مثل هذه القرارات سلطت الضوء على جهود الحكومة في إعادة كتابة التاريخ، وتهميش هوية العراق التي كانت في الماضي متعددة ثقافياً، وذلك لصالح خطاب يهمش الأقليات.
وتناول التقرير ما جرى واصفاً ذلك بأنه "تقشعر له الأبدان"، حيث جرى استدعاء زعيم الطائفة اليهودية ساسون قدوري، في منتصف الليل للقاء الرئيس البكر، الذي أمر بنقل القبور إلى حي الحبيبية في غضون ستة شهور. ولفت إلى أن ساسون قدوري كان مجبراً على الانصياع بالرغم من احتجاجه بسبب التحديات الدينية واللوجستية التي يتطلبها نقل القبور اليهودية.
وتابع التقرير أنه جرى استخراج الرفات بعناية كبيرة، ثم إعادة دفنها، إلا أنه بالنسبة للعديد من العائلات اليهودية، فإن ما جرى قطع علاقتهم بأسلافهم وتاريخهم، على الرغم من أن قدوري، حرص على إتمام عملية النقل بكرامة.
والآن، يقول التقرير إن محطة حافلات النهضة مقامة على أرض المقبرة السابقة، من دون أي اعتراف بماضيها، مضيفاً أن الركاب المسافرين يسيرون وهم لا يعلمون على أرض كانت تحمل في الماضي إرث الطائفة اليهودية في بغداد.