موسوعة الأخبار موسوعة مفقودات العراق موسوعة وظائف العراق طقس العراق
مواضيع الأخبار
مصادر الأخبار
إتصال بنا
أو طلب إعلانات
Baghdad
موقع سكاي العراق

موقع سكاي العراق اليوم 21 خبر

"المسار المظلم: المافيات التي تحكم العراق وتبتلع مستقبله”

"المسار المظلم: المافيات التي تحكم العراق وتبتلع مستقبله”

بقلم / مراد الغضبان منذ عام 2003، دخل العراق في مرحلة جديدة مليئة بالتحديات الكبيرة التي هددت بنيانه السياسي والاجتماعي. لكن أكثر تلك التحديات فتكًا هو انتشار شبكات الفساد التي أصبحت اليوم مافيات منسقة، تتنقل بين وزارات الدولة، المؤسسات العامة والخاصة، وحتى في أحياء المدن. مع مرور الوقت، أصبحت هذه الشبكات قوة لا يستهان بها، تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية، وتغطي على الحقائق من خلال أذرع إعلامية تخدم أجنداتها.

هذه المافيات لم تكن مجرد مجموعة من الأفراد الذين يسعون للربح على حساب الشعب، بل أصبحت منظومات متكاملة، تتعاون فيما بينها وتوزع النفوذ على مختلف القطاعات الحيوية. إذا ما أردنا أن نفهم هذا النظام المافياوي، يجب أن نعود إلى الوراء ونحاول تحليل الأسباب التي ساعدت في نموه وانتشاره داخل المجتمع العراقي.

أدى هدر المال العام بشكل واسع إلى ظهور هذه التنظيمات المافياوية، والتي بدأ ظهورها بشكل واضح في السنوات التي تلت 2003، حيث استغل الفاسدون الفوضى التي أعقبت سقوط النظام السابق لاحتكار الموارد العامة والمشاريع الحكومية. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الشبكات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في العراق، ولم يعد المواطن يتعجب من مشهد رشوة أو اختلاس أموال، بل أصبح هذا الأمر جزءًا من الروتين المألوف.

في البداية، كانت هذه الشبكات تعمل بشكل غير منظم، ومع مرور الوقت بدأت تتبلور بشكل أكثر احترافية، حيث أصبحت تسيطر على الكثير من مفاصل الدولة، من الدوائر الحكومية إلى المرافق العامة. ووجدت هذه المافيات في الوزارات والمؤسسات الحكومية مجالًا خصبًا لتوسيع نفوذها، حيث تمتلك قوى وسلطات تؤهلها للسيطرة على مقدرات الدولة. في كل وزارة أو مؤسسة، ظهرت مجموعات متنافسة على النفوذ، ولكنها جميعًا تشترك في سعيها للربح على حساب الشعب. هذه المجموعات كانت تعمل بشكل مستقل، ولكل واحدة منهم أجندتها الخاصة، لكنهم جميعًا يخدمون مصالحهم من خلال شبكة مترابطة من الفساد.

لا يمكننا أن نتجاهل الدور الذي تلعبه الأذرع الإعلامية لهذه المافيات في تشويه الحقائق وتغطية عمليات الفساد. لقد أصبح الإعلام أداة بيد هذه الشبكات، يتم من خلالها توجيه الرأي العام وتغطية التجاوزات التي تحدث في مختلف القطاعات. وفي بعض الأحيان، قد يصل الأمر إلى استخدام الإعلام لمهاجمة أولئك الذين يسلطون الضوء على هذه الجرائم، وتضليل الناس بما يحدث في الواقع.

المناطق التي كانت تعرف بأنها مناطق آمنة، مثل المنصور وزيونة، أصبحت الآن مرتعًا لهذه المافيات التي لا تقتصر أعمالها على فرض أتاوات مالية فحسب، بل تمتد إلى عمليات غير قانونية تضر بالمواطنين بشكل مباشر. في بعض الأحياء، أصبحت هذه الشبكات تفرض “رسوم حماية” على المحلات التجارية والمشاريع الصغيرة، بحجة أنها توفر “حماية” لهم. لكن في الواقع، أصبحت هذه المافيات تمثل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في هذه المناطق.

ومع تزايد الأموال الطائلة التي تدخل إلى خزائن هذه المافيات، أصبح النفوذ الذي تتمتع به هذه الشبكات أكثر قوة وفتكًا. حتى أن البعض أصبح لا يعترض على هذه الظاهرة باعتبارها جزءًا من النظام القائم. أصبح المواطن العراقي في الكثير من الأحيان مضطرًا إلى التعامل مع هذه الشبكات من أجل تأمين رزقه، في مشهد يعكس هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد.

لا يمكننا أن نغفل عن تأثير هذه المافيات على حياة الأفراد العادية. فالأموال التي يتم نهبها من الدولة لا تذهب فقط إلى جيوب الفاسدين، بل تؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة للمواطنين. انقطاع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء، وتدهور النظام الصحي والتعليمي، أصبح نتيجة طبيعية لهذه الممارسات المافياوية. في الوقت نفسه، يتمكن هؤلاء الفاسدون من الحفاظ على مستوى حياتهم الرفيع، بل ويستمرون في توسيع إمبراطورياتهم على حساب المواطنين.

أحد المظاهر الأشد خطرًا في العراق هو تفشي تجارة المخدرات. حيث تحولت البلاد من مجرد معبر للمواد المخدرة إلى أحد أكبر أسواق استهلاكها في المنطقة. إن انتشار المخدرات في العراق لم يكن مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبح جزءًا من منظومة الفساد، حيث تساهم هذه المافيات في إدخال المواد المخدرة وتوزيعها داخل البلاد. هذا الوضع يشكل تهديدًا حقيقيًا للمجتمع العراقي، حيث تشير التقارير إلى أن نسبة تعاطي المخدرات في بعض المناطق قد تجاوزت 40٪، وهو مؤشر خطير على تأثير هذه المافيات على الشباب والعائلات.

بالرغم من محاولات بعض المسؤولين في الحكومة العراقية لمحاربة الفساد ومكافحة هذه الشبكات، إلا أن هذه الجهود غالبًا ما تبوء بالفشل. تكمن المشكلة في أن العديد من هؤلاء المسؤولين أنفسهم قد يكونون جزءًا من هذا النظام الفاسد، مما يضعف من قدرتهم على محاربة هذه الشبكات.

وبسبب تعدد الولاءات السياسية، والتضارب بين المصالح الشخصية والعامة، غالبًا ما تكون الإجراءات الفعالة ضد الفساد محدودة التأثير.

اليوم، يتساءل الكثيرون عن مستقبل العراق في ظل هذه المافيات التي أصبحت تتحكم بكل شيء. إذا لم تتمكن الحكومة من اتخاذ خطوات جادة وفعالة للقضاء على هذه الشبكات المافياوية، فإن العراق قد يواجه مستقبلاً مظلمًا، ربما يكون أشبه بدول ذات تأثير المافيا القوي مثل كولومبيا. ستظل هذه المافيات تسيطر على الموارد، وتحكم بيد من حديد، حتى تصبح الدولة مجرد تابع لهذه القوى الفاسدة.

في النهاية، لا بد من وقفة جادة من القوى السياسية في العراق، لا سيما من أصحاب الحل والعقد في الدولة، من أجل اتخاذ قرار حاسم لمحاربة هذه المافيات التي تبتلع الدولة والمجتمع معًا.

مصدر الخبر