موسوعة الأخبار موسوعة مفقودات العراق موسوعة وظائف العراق طقس العراق
مواضيع الأخبار
مصادر الأخبار
إتصال بنا
أو طلب إعلانات
Baghdad
موقع سكاي العراق

موقع سكاي العراق اليوم 21 خبر

ازدواجية الجنسية في مناصب العراق العليا: خرق دستوري أم استراتيجية مخفية؟

ازدواجية الجنسية في مناصب العراق العليا: خرق دستوري أم استراتيجية مخفية؟

بقلم: مراد الغضبان

لطالما كانت مسألة ازدواجية الجنسية للمسؤولين العراقيين قضية خلافية تتجدد مع كل دورة سياسية، لكنها رغم أهميتها، لم تجد طريقها إلى التطبيق القانوني الصارم الذي يحسم الجدل حولها. منذ عام 2003، شهد العراق تعاقب رؤساء وزراء ومسؤولين كبار يحملون جنسيات أجنبية، في انتهاك واضح لنص الدستور العراقي، الذي وضع شرطًا صريحًا بعدم تولي أي شخص يحمل جنسية أخرى لمنصب سيادي أو أمني رفيع. هذه الظاهرة لا تتعلق فقط بمخالفة الدستور، بل تمتد إلى تساؤلات جوهرية حول الولاء الوطني، واستقلال القرار العراقي، وإمكانية خضوع هؤلاء المسؤولين لتأثيرات خارجية، خاصة وأن معظمهم قضوا سنوات طويلة في دول المهجر، حيث حصلوا على جنسياتهم الأجنبية.

الدستور العراقي، الذي أُقر عام 2005، لم يكن غامضًا في هذه المسألة، حيث جاء في المادة 18 (رابعًا) ما يلي: “يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبًا سياديًا أو أمنيًا رفيعًا التخلي عن أي جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون.” لكن رغم هذا النص الصريح، لم تترجم هذه المادة إلى قانون نافذ يُلزم المسؤولين بالتخلي عن جنسياتهم الأجنبية، ما جعلها مجرد مادة نظرية غير مفعلة، سمحت باستمرار الظاهرة لعقدين من الزمن.

عند استعراض قائمة رؤساء الوزراء ورؤساء الجمهورية الذين تولوا السلطة بعد 2003، نجد أن الأغلبية الساحقة منهم يحملون جنسيات أجنبية، باستثناء نوري المالكي ومحمد شياع السوداني. أما بقية القادة، فقد دخلوا إلى الحكم وهم يحملون جنسيات دول أخرى، على النحو التالي: إياد علاوي – رئيس الوزراء الأسبق، يحمل الجنسية البريطانية. إبراهيم الجعفري – رئيس الوزراء الأسبق ووزير الخارجية الأسبق، يحمل الجنسية البريطانية. حيدر العبادي – رئيس الوزراء الأسبق، يحمل الجنسية البريطانية. برهم صالح – رئيس الجمهورية الأسبق، يحمل الجنسية البريطانية. فؤاد معصوم – رئيس الجمهورية الأسبق، يحمل الجنسية البريطانية. عادل عبد المهدي – رئيس الوزراء الأسبق، يحمل الجنسية الفرنسية. مصطفى الكاظمي – رئيس الوزراء الأسبق، يحمل الجنسية البريطانية.

ولا يقتصر الأمر على المناصب العليا فقط، بل يمتد إلى مستويات متعددة في الحكومة، حيث تشير التقارير إلى أن 80% من السفراء العراقيين يحملون جنسية أجنبية، كما أن العديد من الوزراء ونواب البرلمان وكبار المسؤولين يتمتعون بجنسيات أخرى، ما يثير تساؤلات حول مدى تمثيلهم الحقيقي لمصالح العراق.

من الناحية النظرية، يمكن القول إن امتلاك جنسية ثانية هو مسألة شخصية، لكنها في الواقع السياسي تعني أكثر من ذلك بكثير. فمنح أي دولة جنسيتها لشخص معين يعني اعترافها به كمواطن كامل الحقوق، ويتمتع بحماية قانونية وسياسية منها. وعند النظر إلى المسؤولين العراقيين مزدوجي الجنسية، نجد أن معظمهم يحملون الجنسية البريطانية تحديدًا، مما يدفع للتساؤل: لماذا تتركز جنسيات المسؤولين العراقيين في بريطانيا تحديدًا؟ هل هذا الأمر مجرد صدفة، أم أن هناك بعدًا استراتيجيًا خفيًا؟ هل يمكن لأي سياسي قضى عقودًا في بلد أجنبي وحصل على جنسيته أن يكون مستقلًا تمامًا عن تأثيرات ذلك البلد؟

من غير المنطقي الاعتقاد بأن سياسيًا قضى سنوات في بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، واستفاد من امتيازات تلك الدول، لم يكن مرتبطًا بأجهزتها السياسية أو الأمنية بشكل أو بآخر. التاريخ السياسي أثبت أن الدول لا تمنح جنسيتها لشخصيات مؤثرة دون وجود حسابات استراتيجية طويلة الأمد، خصوصًا في منطقة حساسة مثل الشرق الأوسط. في ظل هذه المعطيات، هل يمكن القول إن القرار العراقي مستقل تمامًا؟

بعد سقوط نظام بشار الأسد في أجزاء واسعة من سوريا، ظهرت وثائق وتسريبات عديدة حول العلاقات بين السياسيين العراقيين وبعض الأجهزة الاستخباراتية السورية، وكان من بين الأسماء التي تم تداولها عزت الشابندر، وهو أحد الشخصيات السياسية المعروفة في العراق. هذه التسريبات أشارت إلى ارتباطه بأجهزة الأمن السورية قبل سقوط نظام صدام حسين، وهو ما يعكس جانبًا مهمًا من ظاهرة ازدواجية الجنسية، حيث إن أغلب المسؤولين الحاليين كانوا معارضين سابقين لنظام البعث، وأقاموا في دول مختلفة، بعضها غربية، وبعضها عربية، ومن الطبيعي أن تكون لهم ارتباطات مع حكومات تلك الدول.

هذه الارتباطات تطرح تساؤلات خطيرة: هل ما زالت هذه العلاقات قائمة حتى بعد وصول هؤلاء المعارضين السابقين إلى الحكم؟ هل هناك تأثيرات خفية تمارسها هذه الدول على قراراتهم داخل العراق؟ كيف يمكن الوثوق بقرارات مسؤول يحمل جنسية دولة أخرى، خاصة إذا كانت تلك الدولة منخرطة في سياسات الشرق الأوسط؟

رغم أن الدستور العراقي يمنع ازدواجية الجنسية في المناصب السيادية، إلا أن عدم وجود قانون صارم يطبق هذه المادة جعلها بلا تأثير عملي.

لم يُرصد أي مسؤول حكومي عراقي قام رسميًا بالتخلي عن جنسيته الثانية، ولم يتم فتح أي تحقيق أو اتخاذ إجراءات قانونية ضد المخالفين، ما جعل ازدواجية الجنسية أمرًا طبيعيًا في المشهد السياسي العراقي.

إذا كان العراق يسعى إلى بناء دولة مستقلة فعلًا، فإن معالجة هذه الظاهرة يجب أن تكون أولوية وطنية، وذلك عبر الخطوات التالية: إصدار قانون يلزم جميع المسؤولين بالتخلي عن أي جنسية أخرى قبل تولي أي منصب سيادي أو أمني، إجراء تحقيق شامل للكشف عن جميع المسؤولين الحاليين والسابقين الذين يحملون جنسيات أجنبية، ونشر المعلومات بشفافية أمام الرأي العام، فرض عقوبات قانونية على المخالفين، مثل العزل الفوري من المنصب، ومنعهم من العمل السياسي مستقبلاً، تشكيل هيئة رقابية مستقلة لمتابعة تنفيذ القوانين المتعلقة بازدواجية الجنسية، وفتح نقاش وطني حول تأثير ازدواجية الجنسية على القرار السياسي العراقي، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي منعت هذه الظاهرة بشكل صارم.

لا يمكن لدولة تحترم سيادتها أن تسمح لمسؤوليها بحمل جنسية أجنبية تمنحهم ولاءً مزدوجًا. كما أن استمرار هذا الوضع يجعل العراق في موقف هش، حيث يمكن لأي مسؤول مزدوج الجنسية الهروب إلى الدولة التي يحمل جنسيتها إذا واجه تهمًا بالفساد أو المحاسبة السياسية. إعادة النظر في هذه الظاهرة لم تعد مجرد ضرورة قانونية، بل أصبحت مسألة وجودية تمس سيادة الدولة واستقلال قرارها السياسي. التحدي الحقيقي ليس في الاعتراف بالمشكلة، بل في امتلاك الإرادة السياسية لمعالجتها بشكل حاسم، وإلا فإن العراق سيبقى يدور في حلقة مفرغة من التبعية السياسية والتأثيرات الخارجية.

مصدر الخبر