عودة الإمبريالية العارية وصعود عصر اللصوص..ترامب نموذج للشقاوة والبلطجة العالمية الجديد

لطالما بُني النظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة على ركيزتين أساسيتين: العولمة والانفتاح الاقتصادي. غير أن التحولات الجيوسياسية الأخيرة توحي بأن هذا العصر يلفظ أنفاسه الأخيرة. ففي زمن تتراجع فيه المؤسسات الدولية وتتآكل شرعيتها، نشهد صعودًا صارخًا لأساليب السيطرة الإمبريالية المباشرة، بقيادة قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ومن بين أبرز تجليات هذا التحول: -ظاهرة "ترامب"، الذي برز كنمط جديد من "الشقاوة العالمية"، حيث صاغ استراتيجية تقوم على الابتزاز السياسي والاقتصادي العلني، متحررًا من قناع العولمة الناعمة التي سادت لعقود.
أولًا: هل انتهى زمن العولمة؟
بدايةً، علينا أن نميز بين العولمة كمفهوم والعولمة كمنظومة سياسية واقتصادية.
العولمة التي بدأت في التسعينيات، كانت تعني فتح الأسواق وتدفق رؤوس الأموال والسلع والمعلومات بحرية عبر الحدود، لكنها اليوم تتعرض لثلاث ضربات قاسية.
تصاعد النزعات القومية والشعبوية
بريكست، فوز ترامب، صعود اليمين في أوروبا كلها مؤشرات على تراجع الانفتاح العالمي.
الحروب التجارية وحروب العملات: أبرزها الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، ما يؤكد أن حرية التجارة لم تعد مقدسة.
تفكك النظام الدولي: المنظمات الدولية تفقد تأثيرها، واتفاقيات التجارة الحرة يتم تفكيكها أو إعادة التفاوض عليها بالقوة.
ثانيًا: عودة الإمبريالية بسلوكيات فجة
ما نراه اليوم هو عودة للنموذج الإمبريالي التقليدي، ولكن بصيغة معاصرة أكثر عدوانية.
القوة العسكرية كأداة أساسية: الحروب لم تعد أداة اضطرارية بل عادت لتكون وسيلة مفضلة لفرض المصالح (انظر العراق، أفغانستان، أوكرانيا، غزة).
الابتزاز الاقتصادي: فرض العقوبات، التهديد بالحصار، تجميد الأصول… كلها أدوات تستخدم لقهر الدول وإخضاعها.
تدمير الدول بدلاً من احتلالها: لم تعد السيطرة تعني رفع علم فوق العواصم، بل خلق فوضى تجعل الدول رهينة للقرارات الأجنبية.
بهذا المنطق، السلوكيات “الإمبريالية” اليوم أكثر وضوحًا وفجاجة مما كانت عليه في القرن التاسع عشر.
ثالثًا: ترامب كـ”شقاوة عالمي”
دونالد ترامب ليس مجرد رئيس أمريكي سابق، بل يمثل ظاهرة جديدة في السياسة الدولية:
• الابتزاز العلني: لم يتردد في مطالبة حلفائه (مثل السعودية وكوريا الجنوبية) بدفع “ثمن الحماية”، علنًا ودون مواربة.
• احتقار المنظمات الدولية: انسحب من العديد من الاتفاقيات والمؤسسات متجاهلًا كل الأعراف.
• فرض العقوبات بلا حدود: استخدم العقوبات كعصا اقتصادية لضرب كل من يخالفه، حتى أقرب الحلفاء.
ترامب باختصار هو نسخة حديثة من “البلطجي العالمي”، الذي لا يستند إلى أعراف دبلوماسية، بل إلى مبدأ الغلبة والسطو السياسي والاقتصادي المباشر.
لا غرابة في زمن نهاية العولمة
في ظل تآكل العولمة، وسقوط أقنعة النظام الدولي الليبرالي، تصبح ظواهر مثل ترامب وسلوكيات الإمبريالية الجديدة أمرًا متوقعًا بل ومنطقيًا.
لقد عادت القوة لتكون المعيار الأوحد للعلاقات الدولية، لتعيدنا إلى مشهد لم نعهده منذ أكثر من قرن… ولكن هذه المرة بثوب أقل أناقة وأكثر عنفًا.انتهى / 25