هل من مصلحة إسرائيل شن حرب أميركية على إيران؟
العجب كل العجب من غباء وحماقة "إسرائيل" وقادتها، فهي أو هم يعتقدون أنّ الولايات المتحدة الأميركية ستستخدم كل قوّتها للنيل من إيران كخدمةٍ منها لـ "إسرائيل" من دون الإقتراب منها مقابل الخدمات الإسرائيلية للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الحقيقة أن إسرائيل ومَن معها من دول الخليج ستكون أهدافاً لإيران وحلفائها في كافة حالات الحرب ومستوياتها ونطاقها، لذلك بالمُحصّلة إن قيام حرب أميركية – إيرانية ليس من مصلحة العدو الإسرائيلي بل إنّها تهدّد مستقبل وجوده بشكل رئيسي وأمنه القومي ومرتزقته في الوقت الراهن.
ختمت مظاهر التصعيد بين الطرفين الإيراني والأميركي بتدمير أحدث أنواع الطائرات بلا طيّار الأميركية بمنظومة الكترونية إيرانية تم مقابلتها باجتماع الرئيس الأميركي في الكونغرس لدراسة قرار بضرب عدد من النقاط الإيرانية ، إلا أنه خرج على الإعلام ليُصرّح بتراجعه قبل عشر دقائق ، قابلته إيران أيضاً هذا التصريح بتصريح آخر كشف امتناع إيران عن ضرب طائرة أميركية على متنها 35 جندياً أميركياً أي طيبة قلب متبادلة أفصحت عن عدم الرغبة بأخذ التصعيد أكثر من ذلك ومن رسائله الموحية أيضاً ما مفاده التزام كل طرف حدّه.إن الصحف الأميركية، لو أخذناه كعيّنات للاستدلال، فإنّ مضامين ما تنشره يعرب علناً عن رغبة المتطرفين من الرأي العام الأميركي، واللوبي اليهودي بقيام الولايات المتحدة الأميركية بعملٍ عسكري ضد إيران، ولا بد من أنهم أذكى منّا كمُراقبين وككتّاب سياسيين، وبما أنهم يعلمون بالكثير من الملفات المخفيّة والاستخباراتية والتي لا نعلمها نحن، ولكن ذلك لا يمنع من طرح وجهة نظرنا على القرّاء مُرفَقة بالأدلّة والإثباتات، عِلماً أن أساس البحث في مسألة ضربة أميركية لإيران يقوم على أساس سلبيات وإيجابيات ومعرفة المداخل والمخارج حتى لا يقعوا في الندامة التي تحمل هاهنا آلاف المعاني، والسؤال : هل من مصلحة إسرائيل شنّ حرب أميركية على إيران؟ ولعلّ الإجابة الدقيقة على هذا السؤال تقتضي التفريق بين حالتين أحدهما الحرب الشاملة والأخرى الحرب الجزئية، ولا داعي للتكهّن أي الشكلين ستكون الحرب الأميركية ضد إيران في حال حدثت، فأغلب التقارير العلنية والسرّية منها تتحدّث عن ضرباتٍ محدودةٍ لبعض النقاط، وهذا ما أكّدته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، التي أكّدت أن أجهزة استخبارات العدو الإسرائيلي تستبعد فرضية أن يؤدّي التوتّر الحاصِل في منطقة الخليج بين أميركا وإيران إلى حربٍ شاملةٍ في هذه المرحلة. في اجتماعٍ خاصٍ للمجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت" الذي عُقِدَ في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واستمر خمس ساعات في "أجواء من السرّية"، لنقاش التوتّر المُتصاعِد بين الولايات المتحدة وإيران وتداعياته على إسرائيل، خَلص إلى جملةٍ من النتائج حسب ما نقلته صحيفة يدعوت أحرنوت بخصوص ما سمّته تداعيات الحرب الأميركية – الإيرانية على أمنها ، كان أهمها هجمات في الخارج ضد الإسرائيليين، أو هجمات من سوريا ولبنان، أو عمليات من غزّة بواسطة نشطاء حركة "الجهاد الإسلامي".لا بدّ من الكلام قبل تحديد المغبّات عن جهوزية الجمهورية الإسلامية واستعدادها، فمنذ 21/كانون الأول/2019م فقد صدر تصريح عن قائد سلاح الجو الإيراني قال فيه: "إن بلاده مُستعدّة لحربٍ حاسمةٍ مع إسرائيل، وستضع حداً لهجمات الجيش الإسرائيلي على سوريا". ونقلت تقارير إعلامية عن عزيز نصير زاده قوله: "قواتنا المسلحة مُستعدّة للحرب التي ستؤدّي إلى تدمير إسرائيل"، وبالتحليل فإنّ هذا القول تفوح منه روائح الجهوزية والإمكانية الإيرانية للردّ على العدو الإسرائيلي، واليوم تدمّر طائرة متقدّمة لأميركا، فكيف تخاف من التابع وهي تقاتل العدو الأصلي لها ولنا كتابعين لدول محور المقاومة.ومن جملة ما كشفه رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت حول الحرب الدائرة في وطننا المُقدّس سوريا، لصحيفتيّ "نيويورك تايمز" و"صنداي تايمز" عن "حرب في الظل" بين إسرائيل وإيران: إن الهدف الرئيسي لإسرائيل في هذه الحرب الخفيّة كان الحرس الثوري الإيراني، خصوصاً "فيلق القدس"، ومما نستنبطه من هذا القول أنّ إسرائيل تتخوّف من القوّة العسكرية الإيرانية خصوصاً التي ما تزال تحتفظ بالزُخم الشديد المُحافِظ على مبادئ الثورة الإسلامية والنبرة الإيديولوجية لها الرافضة لممارسات هذا الكيان الغاصب.لا بدّ في صَدَد هذا التحليل من الإشارة إلى المغبّات التي ستحصدها إسرائيل في حال قامت حرب أميركية – إيرانية كتداعيات لهذه الحرب على أمنها الذي لا يلقى الضربات القوية على عكس ما يتم تصويره ، ولكن للواقع كلمته إذا جاء قرار التراجع عن الحرب ليثبت هذه الحقيقة التي لا تقبل الإنكار، ففي حال الحرب الشاملة ماذا سيحصل؟ أتفق في بداية حديثي مع ما قاله الكاتب زيف شافيتس في مقال نشره موقع بلومبيرغ الأميركي إنّ "إسرائيل" تولي اهتماماً كبيراً بتطوّرات التوتّر بين البلدين، لأنّه في حال اندلاع حرب بين واشنطن وطهران، فستكون هي جزءاً من ساحة المعركة هذه، كما يمكن الاستدلال على هذا بما قاله علي مطهري نائب رئيس البرلمان الإيراني إنّه في حال قيام حرب فستكون إسرائيل ساحة المعركة، وأضاف مطهري إن "انتشار القوات العسكرية الأميركية في الخليج يندرج ضمن أسلوب الحرب النفسية"، ولعلّ هذا ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى القول:" إن إسرائيل هي بالفعل طرف استراتيجي في أية حرب قادمة". إذاً كنتيجةٍ فرعيةٍ، إنّ الحرب الشاملة لا تقتصر على منطقة من دون الأخرى، ولا على موطن للمصالح من دون الآخر، وكل طرف سيضغط على الطرف الآخر عبر ضرب مواطن مصالحه ، ونقاط ضعفه، "فإسرائيل" ذاتها تحتوي العديد من نقاط الضعف التي يمكن ضربها أو التهديد بضربها في حال تألّمت طهران، وعلى سبيل المثال مفاعل ديمونة أي تهديد صغير له سيخلق مشكلة في المستوطنات، وهلعاً داخل جيش العدو الذي لا يصمد أمام جندي إيراني صاحب عقيدة علّمته أن الحياة هي الموت في سبيل وطنه ودينه وفي سبيل إعلاء كلمة الحق. وأما السيناريو الثاني فهو في حال الحرب الجزئية ماذا سيحصل؟ لا بدّ من أنّ "إسرائيل" ستكون أحد الأهداف وهذا ممكن جداً، وقد حصل هذا تاريخياً من قِبَل دولة مجاورة لإيران هي العراق، أثناء اندلاع حرب الخليج الأولى، حيث أطلق الجيش العراقي البطل أكثر من 40 صاروخاً من طراز سكود على إسرائيل،ِ ولا يستدّل على هذا بتصريحات إيرانية بل بتصريحات دول الخليج و"إسرائيل " ذاتها التي تُدرك جيداً أنّها ستكون هدفاً للصواريخ الإيرانية لأنّها من نقاط الضغط التي يمكن اللجوء إليها لوقف توسّع الحرب إلى شاملة النطاق.وإنّ القول بحرب شاملة النطاق يعني اشتراك دول إقليمية وعلى مستوى دولي أيضاً بها، وكما يشير إلى اتساع رقعتها الجغرافية، ولعلّ ما تكشفه الأحداث الدولية من كذبٍ وزيفٍ ما حلمنا به أو توهّمناه لفترةٍ من أنّ العالم أصبح محورين هو حمل كاذب وسراب في صحراء السياسة، حيث يكاد التعامل بالسياسة ذات الوجهين سمة عامة لدى جميع الدول، وأغلبها رغم ما يدّعيه يحافظ على علاقات متوازنة مع الدول الكبرى ، لذا إنّ ما يُسمّى بحرب شاملة بالمعنى الذي أوردته آنفاً ، هو أمر مستحيل، وشاملة على المستوى الإقليمي في حال حصلت ويبقى اشتراك دول كبرى بما يشبه حرباً عالمية ثالثة أمراً مستبعداً رغم الخرافات والأساطير، وما تشيعه بعض التحليلات والفضائيات. بالنتيجة، العجب كل العجب من غباء وحماقة "إسرائيل" وقادتها، فهي أو هم يعتقدون أنّ الولايات المتحدة الأميركية ستستخدم كل قوّتها للنيل من إيران كخدمةٍ منها لـ "إسرائيل" من دون الإقتراب منها مقابل الخدمات الإسرائيلية للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الحقيقة أن إسرائيل ومَن معها من دول الخليج ستكون أهدافاً لإيران وحلفائها في كافة حالات الحرب ومستوياتها ونطاقها، لذلك بالمُحصّلة إن قيام حرب أميركية – إيرانية ليس من مصلحة العدو الإسرائيلي بل إنّها تهدّد مستقبل وجوده بشكل رئيسي وأمنه القومي ومرتزقته في الوقت الراهن.