أول فندق عائم بالعالم.. من حلم للغواصين المحترفين إلى التعرض للتدمير بكوريا الشمالية
فندق هايغومغانغ الفاخر كان أول فندق عائم في العالم، بلغت قيمته نحو 100 مليون دولار، واشتهر بحفلاته الباذخة التي تراعي البيئة البحرية التي يطفو فوقها، وتجتذب الغواصين من كافة أنحاء العالم، ولكن انتهى به الأمر إلى التحول لحطام في منطقة من أخطر المناطق في العالم تقع بكوريا الشمالية.
لقد كان فندق هايغومغانغ العائم "Haegumgang" ذات يوم منتجعاً للصفوة، وفندقاً من فئة النجوم الخمس، يطفو بلا أفق يحبسه فوق الحيد المرجاني العظيم في أستراليا. ثم آل به الحال خرِبةً متداعية ترسو في ميناء كوري شمالي، يقع على مسافة 20 دقيقة بالسيارة من المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين، الشمالية والجنوبية، حسبما ورد في تقرير لموقع CNN International الأمريكي.
كانت كوريا الشمالية المحطة الأخيرة لأول فندق عائم في العالم، بعد رحلة طويلة عجيبة امتدت 16093 كيلومتراً بعد أول إبحار له منذ أكثر من 30 عاماً، وخلال ذلك اتسم بجولاته الرائعة بالطائرات المروحية، ومأكولاته الراقية، غير أن نهايته جاءت مأساوية.
كان ثمة أمل في أن يعود الفندق العائم إلى ازدهاره، بعد أن اشترته كوريا الشمالية ليصبح قطعة أساسية لاجتذاب السياح في منتجع "جبل كومغانغ"، وتنبأ البعض له بحياة أخرى، إلا أن الأمر لم يكن كذلك.
قصة فندق هايغومغانغ العائم الذي أقيم فوق الشعاب المرجانية
كان الفندق العائم فكرة دوغ تاركا، وهو غوَّاص ورجل أعمال إيطالي المولد عاش في مدينة تاونزفيل الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي لولاية كوينزلاند في أستراليا.
يقول روبرت دي يونغ، أمين متحف تاونسفيل البحري، عن تاركا: "لقد كان لديه الكثير من الحب والإجلال للحيد المرجاني العظيم". وأنشأ في عام 1983 شركة "ريف لينك" Reef Link، التي عملت بنقلِ رواد الرحلات البحرية النهارية في قوارب قطمران من تاونسفيل إلى منطقة الشعاب المرجانية قبالة الساحل. لكن فكرة راودته بعد ذلك، "فقال لنفسه: (لماذا لا نتيح للناس أن تمضي ليلها بالقرب من الشعاب المرجانية؟)".
فكَّر تاركا بدايةً في الاستعانة بسفن سياحية قديمة وإرسائها على نحو دائم بالقرب من الشعاب المرجانية، لكنه خلص إلى حل رآه أرخص تكلفة وأكثر مراعاة للبيئة، وهو بناء فندق عائم.
وقد بدأ بناء الفندق في عام 1986 في حوض بناء السفن التابع لشركة "بيت لحم" Bethlehem لبناء السفن في سنغافورة، وهي شركة تابعة لشركة فولاذ أمريكية كبرى لم يعد لها وجود اليوم.
بلغت تكلفة بناء الفندق آنذاك قرابة 45 مليون دولار -ما يوازي أكثر من 100 مليون دولار بعملة اليوم- ونقلته سفينة رفع ثقيل إلى "منطقة شعاب جون بروير" John Brewer Reef، الواقعة في منتجع الشعاب المرجانية بالحيد المرجاني العظيم.
يصف دي يونغ المنطقةَ بالقول: "إنها منطقة شعاب مرجانية على شكل حدوة حصان، تتوسطه مياه هادئة، تلائم رسو الفندق العائم تمام الملاءمة".
الفندق كان يراعي البيئة؛ حتى إنه كان يعيد تدوير الصرف الصحي
استُعين بـ7 مراسٍ ضخمة لتثبيت الفندق إلى قاع المحيط، ووضعت على نحو لا يضر الشعاب المرجانية.
ولم يُسمح بضخ مياه الصرف الصحي في البحر، بل كان يُعاد تدويرها، وكانت القمامة تُؤخذ إلى موقع على اليابسة، وكل ذلك للحد ما أمكن من أية تداعيات مضرة لهيكل الفندق القائم على بيئة الموقع.
افتُتح الفندق في 9 مارس/آذار 1988، وحمل اسم Four Seasons Barrier Reef Resort.
ضم ملهى ليلياً ومطعمين ومختبر أبحاث والطائرات كانت وسيلة الوصول له
يقول دي يونغ: "لقد كان فندقاً من فئة النجوم الخمس، وبالطبع لم تكن الإقامة فيه رخيصة الثمن. كان يحتوي على 176 غرفة، ويستوعب 350 نزيلاً".
وكان به ملهى ليلي ومطعمان ومختبر أبحاث ومكتبة ومتجر يمكنك شراء معدات الغوص منه، وكان به أيضاً ملعب تنس، وإن كنت أظن أن معظم الكرات كان ينتهي بها الأمر في المحيط الهادئ".
لكي يصل النزيل إلى الفندق، كان يمكنه إمَّا أن يركب زورقاً سريعاً يصل به في غضون ساعتين، وإمَّا أن يستأجر طائرة مروحية تبلغ به الفندق في رحلة أسرع، لكنها أغلى ثمناً، تبلغ تكلفتها نحو 350 دولاراً (باعتبار فرق التضخم) لكل رحلة ذهاباً وإياباً.
تحول إلى حلم للغواصين المحترفين، ولكن فجأة كل شيء تغير
أحدثت هذه البدعة الحديثة ضجة كبيرة في البداية، وكان الغوص من الفندق حلماً للغواصين. وحتى الناس العاديون من غير الغواصين كان يمكنهم الاستمتاع بالمناظر الرائعة للشعاب المرجانية، بفضل غواصةٍ خاصة تسمى "الغواصة الصفراء".
لكن سرعان ما تبين أن مُنشئي الفندق استهانوا كثيراً بأثر سوء الأحوال الجوية على الضيوف وتأثيره في إحجامهم عن زيارته.
فيقول دي يونغ: "إذا كان عليك العودة إلى المدينة للحاق بموعد طائرة وكانت أحوال الطقس مضطربة، فإن المروحية لن يمكنها الطيران، والقارب لن يمكنه الإبحار، وقد أثارت تلك المشكلة كثيراً من الضيق" لدى رواد المكان.
ومن الغريب أن موظفي الفندق كانوا يشغلون الطابق العلوي، وهو أسوأ مكان بالنسبة إلى المقيمين في فندق عائم لأنه أكثر المواضع تأثراً بتأرجحه. ويقول دي يونغ إن الموظفين كانوا يعلِّقون زجاجة خمر فارغة في السقف لقياس شدة اضطراب البحر، ولما كانت الزجاجة تهتز أكثر من المعتاد، كانوا يعلمون أن كثيراً من الضيوف سيصيبهم دوار البحر. و"ربما كان ذلك أحد الأسباب التي حالت دون أن يحقق الفندق النجاحَ التجاري الذي كان مرجواً له".
إعصار ضرب هيكله قبل أسبوع من الافتتاح
ولم تقتصر المشكلات التي واجهت الفندق على ذلك، فقد ضرب إعصار الهيكلَ قبل أسبوع واحد من الافتتاح، ما أدى إلى تخريب بركة المياه العذبة في الفندق تخريباً تعذَّر إصلاحه. وعُثر على مكب للذخيرة من بقايا الحرب العالمية الثانية على بعد نحو 3 كيلومترات من الفندق، فأفزع ذلك بعض الزبائن. وبصرف النظر عن الغوص والغطس، لم يكن بالفندق كثير من الأشياء الأخرى التي يمكن فعلها لتسلية الوقت".
أصبحت الكلفة التشغيلية للمنتجع باهظة بعد عام واحد فقط من افتتاحه، فأغلق أبوابه من دون أن يبلغ الإشغال الكامل قط.
يقول دي يونغ: "لقد خفت نجمه بهدوء حقاً، وبيع إلى شركة يقع مقرها في مدينة (هو تشي منه) في فيتنام، وكان الأمل أن يساعدها في جذب السياح".
فيتنام تنقذ الفندق العائم
في عام 1989، انطلق الفندق العائم في رحلته الثانية، وكانت الوجهة تقع على بعد 5472 كيلومتراً إلى الشمال.
وبعد وصوله إلى فيتنام، أُطلق عليه اسم "فندق سايغون"، لكنه عُرف في العامية باسم "العائم"، وظل راسياً في نهر سايغون قرابة عقد من الزمان.
يقول دي يونغ: "حقق الفندق نجاحاً كبيراً هناك، وأظن أن السبب في ذلك هو أنه لم يكن هائماً في وسط المحيط هذه المرة، بل كان يطل على واجهة بحرية. لقد كان عائماً، لكنه كان متصلاً باليابسة".
لماذا قررت كوريا الشمالية شراءه؟
مع ذلك، انطفأ وهج "العائم" واستنفد عوائده المالية، وأغلق. لكنه لم يُفكَّك، بل أُعطي فرصة حياة جديدة غير متوقعة؛ فقد اشترته كوريا الشمالية لجذب السياح إلى جبل كومغانغ، وهي منطقة ذات مناظر خلابة تقع بالقرب من الحدود مع كوريا الجنوبية.
يقول دي يونغ: "كانت الكوريتان تسعيان إلى بناء جسور من التواصل بينهما في ذلك الوقت، وكانت تجري بينهما محادثات دبلوماسية. لكن كثيراً من الفنادق في كوريا الشمالية لم تكن مضيافة للسياح" على نحو ما كانت في البداية.
امتدت الرحلة مسافة بلغت 4506 كيلومترات، وهناك كان الفندق العائم جاهزاً لمغامرته الثالثة، وأطلق عليه اسم فندق "هايغومغانغ". افتُتح الفندق في أكتوبر/تشرين الأول 2000.
مليونا سائح ذهبوا للمنطقة
تولت إدارة الفندق شركة "هيونداي آسان" Hyundai Asan الكورية الجنوبية، والتي أشرفت أيضاً على تشغيل مرافق أخرى في المنطقة، وقدمت عروض رحلات للسياح الكوريين الجنوبيين.
وقال متحدث باسم شركة "هيونداي آسان" إن منطقة جبل كومغانغ اجتذبت في السنوات التالية أكثر من مليوني سائح.
و"قد أسهمت جولات جبل كومغانغ في تعزيز المصالحة بين الكوريتين، وكانت ركناً مهماً في تحسين العلاقات بينهما، بعد أن أصبحت مركزاً لجمع شمل العائلات المنفصلة وعلاج الآلام الناتجة عن انقسام البلاد".
حادثة مأساوية تدمر سمعته
في عام 2008، أطلق جندي كوري شمالي النار على امرأة كورية جنوبية تبلغ من العمر 53 عاماً كانت تتجول خارج حدود منطقة جبل كومغانغ السياحية ودخلت منطقة عسكرية. ونتيجة لذلك، أوقفت شركة "هيونداي آسان" جميع الجولات في المنطقة، وأُغلق فندق هايغومغانغ.
لا يُعرف إذا كان الفندق عاد إلى التشغيل بعد ذلك، أم بقي مغلقاً، لكن المؤكد أنه لم يعد يستقبل سياحاً من كوريا الجنوبية.
يقول دي يونغ: "المعلومات المتاحة ملتبسة. لكنني أظن أن الفندق لم يكن متاحاً إلا لأعضاء الحزب الحاكم في كوريا الشمالية". وكان في الإمكان رؤية الفندق راسياً على رصيف منطقة جبل كومغانغ عبر تطبيق خرائط جوجل، وإن كان الصدأ قد نال منه إلى حد بعيد.
في عام 2019، زار زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، منطقة جبل كومغانغ السياحية، وانتقد حالة العديد من المرافق هناك، ومنها فندق هايغومغانغ، ووصفها بأنه رثة، ثم أمر بهدم الكثير منها ضمن خطة لتصميم المنطقة من جديد بأسلوب أكثر ملاءمة للثقافة الكورية الشمالية.
في أثناء ذلك، لا يزال إرث الفندق العائم حاضراً لم ينقطع أثره، وربما يبقى تحفة فريدة من نوعها، لا سيما أن فكرة الفنادق العائمة لم يكتب لها الرواج، أو أنها تجسدت في صور أخرى.
يقول دي يونغ: "المحيط مليء بالفنادق العائمة، لكنهم يطلقون عليها سفن الرحلات البحرية".
وبعد ذلك، أوردت تقارير استخباراتية من كوريا الجنوبية أن فندق "هايغومغانغ" العائم كان من بين المواقع التي دمرها النظام الحاكم في كوريا الشمالية في عام 2022، جنباً إلى جنب مع دار ضيافة Onjonggak، التي أقيمت فيها ذات يوم لقاءات لم الشمل المتلفزة بين الأقارب الذين فصل بينهما النزاع بين الكوريتين.