طلاق الوالدين .. يترك اطفالا أكثر عرضة لـــ "التحرش الجنسي" مع مجتمع لا يرحم وآثار مدمرة!!
مستشارة الصحة النفسية، الطبيبة إخلاص جاسم جبرين، تقول خلال حديث مع موقع دولي إنها توصلت من خلال دراسات أعدّتها، إلى أن الأطفال في ظل أسر مفككة، هم الأكثر عرضةً للتحرش الجنسي: "كطلاق الوالدين، أو وفاة أحدهما، وبالدرجة الأساس الأم، لأن غيابها سوف يُشعر الطفل بأنه عالة على الأسرة، فيصعب عليه التعبير أو البوح بما يتعرض له".
وتؤكد على أن "الوقاية خير من العلاج"، وأن أرباب الأسر مسؤولون عن توعية وتثقيف أبنائهم لمنع دخولهم في تجارب من ذلك النوع. فهي تعتقد أن أخطر شيء يتعرض له الأطفال، هو التحرش الجنسي.
وتوضح: "لأن مرحلة الطفولة تشكل مرحلةً مهمةً في حياة الإنسان وتكوينه، على الأبوين اصطحابهم إلى الطبيب النفسي أو المرشد لتخصيص جلسات علاج متكاملة لهم، والعمل على محاسبة المتحرش، ومن الضروري جداً أن يعرف الطفل أن من تحرش به نال عقاباً، لكي يطمئن".
وتذكر أن الأمراض التي تصيب الطفل المتحرَّش به، تنقسم إلى نفسية وجسدية. وتواصل: "المشكلات النفسية تتمثل في الكآبة والعزلة والخوف وقضم الأظافر والخجل وتجنّب المواجهة والكوابيس في أثناء النوم، وكل ذلك قد يؤدي في بعض الأحيان إلى محاولة الانتحار".
أما الجسدية فهي: "انقطاع الشهية للأكل وشحوب ملامح الوجه، وإيذاء النفس وقد يصاب الطفل بأمراض جنسية انتقالية تكون نتيجة التلامس مع المتحرش، وإن تعرّض للاغتصاب يصاب بتهتك الأعضاء أو الحكة الشديدة... وغيرهما".
وعن نتائج التحرش الجنسي المستقبلية، تقول: "في مرحلة النضوج تتكون لدى المتحرَّش بهم نظرة مشوهة للجنس ورفض العلاقة، فهم يصابون بالنفور ويرونه أمراً مقرفاً، والانحراف الجنسي وارد مثل السادية أو اشتهاء الأطفال فيصبح المتحرش به يتحرش بالأطفال ليفرغ هذه الشحنات السالبة، ويعدّها انتصاراً لنفسه، كما تظهر عليه السلوكيات العدوانية دون مبرر مثل التحرش والتنمر وقد تكون لديه ميول انتحارية وينحو نحو إيذاء نفسه".
القانون يعاقب ولكن...!
وفقاً للمحامية لقاء محمد، فإن التحرش الجنسي كاصطلاح، لم يرِد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، إلا أنه عالجه ببضع مواد، فضلاً عن الاعتداء الجنسي. ففي الفقرة الأولى من المادة 393، يوقع عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت على من يواقع أنثى بغير رضاها أو لاط بذكر دون رضاه.
ويكون ظرفاً مشدداً إذا كان المجني عليه لم يتم الثامنة عشرة من عمره، أو إذا كان الجاني من أقارب المجني عليه إلى الدرجة الثالثة، أو كان من متولّي تربيته أو رعايته أو ملاحظته، أو إذا كان الفاعل من الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة، أو من رجال الدين أو الأطباء، أو إذا ساهم في ارتكاب الفعل شخصان فأكثر، أو إذا أصيب المجني عليه بمرض تناسلي نتيجة ارتكاب الفعل، أو إذا حملت المجني عليها، أو أزيلت بكارتها نتيجة الفعل.
أما المادة 394، فتعاقب بالسجن سبع سنوات أو بالحبس، من واقع فتاة برضاها ولاط بذكر برضاه إذا كانا قد أتمّا الخامسة عشرة ولم يتمّا الثامنة عشرة، على أن تكون العقوبة عشر سنوات في حال كان عمر المجني عليه أقل من خمس عشرة سنة.
ونصت المادة 400 على أن "من ارتكب مع شخص، ذكراً أو أنثى، أفعالاً مخلّةً بالحياء بغير رضاه أو رضاها، يعاقَب بالحبس مدةً لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على مئة الف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.
يعاقَب بالحبس مدةً لا تزيد على ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تزيد على ثلاثين الف ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين، من طلب أموراً مخالفةً للآداب من آخر، ذكراً كان أو أنثى
المحامية لقاء، تعتقد بأن الغالبية الساحقة من المتحرشين جنسياً بالأطفال يفلتون من العقاب لأسباب عديدة، "منها أن فعل التحرش يجري في الخفاء من دون شهود، وخوف الضحية من الإفصاح عما جرى له، وتكتم العائلة لمنع الفضيحة، وإجراءات القانون التي تستلزم إثباتات".
وتدعو إلى ضرورة قيام المؤسسات التربوية، إلى جانب أرباب الأسر، بتوعية الأطفال وتثقيفهم من الناحية الجنسية، أسوةً بالدول المتقدمة، "لأن من شأن ذلك، إنقاذ الكثير من الأطفال من التحرش الجنسي، فالأكثرية منهم لا يعرفون ماذا يعني التحرش الجنسي، وينبغي توضيح ذلك لهم، وهو أمر لا يتعارض مطلقاً مع الدين أو العادات".
مصدر في وزارة الداخلية طلب عدم الإشارة إلى اسمه، لأنه ليس مخوّلاً بالتصريح، يقرّ بأن الشكاوى المتعلقة بالتحرش الجنسي الواقع على الأطفال قليلة جداً، لكنه لا ينفي وجودها، ويقول: "الكثير من الحالات تحدث دون تبليغ، وهي في تزايد بسبب ظاهرة المخدرات المستشرية، والأطفال يتعرضون للاعتداء والتحرش الجنسي من قبل مدمنين، قد يكونون من أقربائه".
ويذكر المصدر، أنه وبموجب الأمر الديواني رقم (80) لسنة 2009، تم تشكيل مديرية حماية الأسرة والطفل، لتصبح إحدى مؤسسات وزارة الداخلية، وتضم ستة عشر قسماً، اثنان منها في جانبي بغداد الكرخ والرصافة، والأخرى في المحافظات، وهي مختصة بقضايا العنف الأسري (الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الفكري أو الاقتصادي)، الذي يرتكب أو يهدد بارتكابه من أي فرد من أفراد الأسرة ضد الآخر.
أما إذا كان الاعتداء يشكل جنايةً أو جنحةً أو مخالفةً، فتتم معالجتها ووفقاً لقانون قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969. ويؤكد: "لا بد من إيصال المعلومات بشأن الحوادث التي يكون الأطفال طرفاً فيها إلى المديرية، لكي يتسنى لها حمايتهم ومعاقبة الجناة".
آثار مدمرة
التحرش الجنسي بالأطفال لا يقتصر على الإناث فحسب، بل يكون الذكور ضحايا له كذلك، وبعضهم يعيش عمره كله تحت تأثير الأضرار الفادحة التي ألحقها به التحرش في صغره
نور عادل، ناشطة مدنية ومدافعة عن حقوق الطفل من بغداد، تقول إن التحرش بالأطفال جنسياً واستغلالهم "لم يعودا مجرد حالات تحدث هنا وهناك، بل أصبحا أمراً معتاداً في العراق".
وهي ترى أن قصص الضحايا متشابهة، وهنالك قواسم مشتركة بينها، منها التفكك الأسري وعدم متابعة الأهالي للأطفال ومشكلاتهم أو منحهم آذاناً صاغيةً، وبذلك تحمّل نور، الأهالي، المسؤولية الأكبر لشيوع ما وصفتها بظاهرة التحرش الجنسي "لأنهم لا يحاورون الأطفال، وإذا علموا بما حدث لهم يتكتمون على ذلك".
وبشأن التكتم، توضح نور: "العائلة في العادة تخشى من الوصمة المجتمعية، وهذا يؤدي إلى اتساع نطاق حالات التحرش وإفلات الجناة من العقاب".
وتلفت نور إلى عادات وأساليب شعبية متوارثة ومنتشرة في نطاق المجتمع العراقي، منها "الإيحاءات الجنسية خلال المزاح مع الأطفال، ولمس الأماكن الحساسة في أجسادهم، واستخدام ألفاظ خادشة للحياء خلال الحديث معهم".
وتدعو أولياء الأمور عن التوقف عن مثل هذه التصرفات، وإلى "تثقيف أطفالهم جنسياً، وتعريفهم بأعضائهم الحساسة وتوجيه النصح لهم بعدم السماح لأي شخص سواء من داخل الأسرة أو خارجها، بلمسهم".
تشارك نور، عبر حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، دورساً خاصةً موجهةً إلى الأبوين، لتعريفهما بالأدوار التي ينبغي عليهما القيام بها لحماية أطفالهم من التحرش، وما يتوجب فعله إذا كان فعل التحرش قد وقع بالفعل".
وتتحدث عن ذلك قائلةً: "بعض أفراد المجتمع ينتقدونني لنشري مثل هكذا محتوى، ويتهمونني بأنني أخالف العادات والتقاليد السائدة، وهنالك من يصفني بالجريئة لقيامي بذلك، فإذا كانوا يحاولون منعي أنا عن الحديث بنحو عام عن التحرش، فكيف سيتحدثون عن واقعة تحدث بالفعل لطفل لهم؟ بالتأكيد لن يفعلوا".
مستشارة تربوية من محافظة النبار، تعمل في مجال التنمية البشرية، تقول إنها أرسلت مقترحات إلى وزارة التربية، "لإجراء دراسات عن التحرش الجنسي الذي يستهدف الأطفال، وتنفيذ برامج تنموية تثقيفية تشمل تعريف الطفل بأعضائه الجنسية ومنع التحرش به جنسياً".
إلا أن الوزارة رفضت مقترحاتها، دون إيراد أسباب، وقد حاولت مجدداً لكنها حصلت على النتيجة نفسها، وتلفت إلى أنها، وخلال عملها الوظيفي الطويل، على إطلاق بحالات كثير لتحرّش جنسي استهدف اطفالاً في العديد من المحافظات، وقالت إن الأمر يتطلب عملاً دؤوباً من قبل الجهات المختصة.