رغم التطمينات الحكومية.. تحذيرات من "أزمة" سكانية وإنسانية في العراق
يشهد العراق ولادة أكثر من مليون طفل سنوياً بزيادة سكانية تبلغ 2.5%، ويؤكد مختصون أن ارتفاع أعداد المواليد أصبح "خطراً متعدد الأوجه"، مشددين أن على الحكومة وضع الحلول اللازمة لاستيعاب هذا العدد "الهائل"، مع ضرورة فرض تحديد النسل في ظل انفجار سكاني "مرعب" يحمل في طياته مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية ستفرض أعباءً تجعل العراق يعاني لسنوات عديدة مقبلة.
ووصل عدد سكان العراق بحسب تقديرات وزارة التخطيط لعام 2023، إلى 43 مليوناً و224 ألف نسمة، بنسبة 50.5% من الذكور، و49.5% من الإناث، ورغم أن الولادات ما زالت مرتفعة لكن معدلات الخصوبة انخفضت من نحو 6 أطفال إلى 4 أطفال لكل امرأة مقارنة بالسنوات الماضية، وكذلك تراجعت نسبة النمو السنوية للسكان من 3.3% قبل 10 سنوات إلى 2.5%، وفق المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي.
التعداد السكاني
ويوضح الهنداوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "ما يشهده العراق من زيادة سكانية بنسبة 2.5% هي زيادة طبيعية، ولا تمثل تضخماً أو انفجاراً سكانياً، ولكن بحكم التراكم وزيادة سكان العراق بالتأكيد الأرقام تزداد بشكل مستمر، حيث إن المجتمع دائماً في حالة نمو المتمثلة بالولادات لاستمرار الحياة".
وعن آخر تطورات إجراء التعداد العام للسكان والمساكن، يقول الهنداوي، إن "الاستعدادات متواصلة لاستكمال كل متطلبات إجراء التعداد السكاني في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وهذا يتضمن مجموعة مراحل تعمل الوزارة على إنجازها في توقيتاتها الزمنية المحددة".
وأول مرحلة، بحسب الهنداوي، ستكون التعداد التجريبي في النصف الثاني من أيار المقبل الذي يشمل عموم المحافظات، وستنفذه كوادر وزارة التخطيط بعد تأهيلهم وخضوعهم لتدريبات تنطلق في 1 أيار/ مايو المقبل.
ويضيف الهنداوي "أما التعداد العام الرئيسي، فإنه سيجرى من قبل المعلمين والمدرسين من وزارة التربية، وهؤلاء تصل أعدادهم إلى 120 ألف، وسيتم تدريبهم خلال العطلة الصيفية، وبعد تدريب العدادين تبدأ مرحلة الحصر والترقيم التي تمثل العمود الفقري للتعداد وصولاً إلى موعد تنفيذه في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل".
"أزمة" سكانية وإنسانية
ورغم تطمينات وزارة التخطيط بأن الزيادة السكانية طبيعية، لكن الباحثة الاجتماعية، أمل الكبايشي، تؤكد أن "ارتفاع مستويات النسل تقود إلى انفجار سكاني قريب، وفي ظل عدم وجود بنية تحتية ووضع اقتصادي يتحمل هذا الانفجار السكاني ستكون البلاد أمام أزمة سكانية وإنسانية خلال السنوات المقبلة".
وتوضح الكبايشي خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "معدلات الولادة بدأت تأخذ منحنيات متصاعدة منذ نحو عقدين، ورغم وجود جهود حكومية لتنظيم النسل وإصدار عدداً من السياسات بهذا الخصوص، منها سياسة تباعد الأحمال وحثّ الأسر على تنظيم النسل، لكن تلك الجهود لم تكن مكتملة لذلك لم يُسيطر على نسب زيادة الولادات".
وتؤكد، أن "السيطرة على نسب زيادة الولادات تحتاج إلى عملية وعي مجتمعي وخدمات الصحة الإنجابية ومراكز صحية متخصصة ورؤية حكومية بأهمية تنظيم الأسرة، لذلك لابد من إعادة النظر بالسياسات الحكومية فيما يتعلق بتنظيم الأسرة وتنفيذها وتوفير الموارد اللازمة لها للحد من نسبة ارتفاع الولادات في العراق".
"خطر" متعدد الأوجه
ويتفق الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، ما مع ذهبت إليه أمل الكبايشي حول خطورة ارتفاع أعداد المواليد سنوياً، حيث يقول إن "الزيادة السكانية الكبيرة تفرض تحديات بالغة الخطورة أمام العراق في ظل اقتصاد ريعي أحادي متطرف وتعطيل القطاعات الإنتاجية مع ترهل في الوظائف الحكومية وقلّة الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص مما يجعل العراق يواجه مخاطر كبيرة، خصوصاً مع زيادة عدد العاطلين عن العمل وارتفاع نسبة الفقر إلى 40% وتنامي هذه النسبة كلما ازداد الوضع الاقتصادي تدهوراً".
ويضيف الحلبوسي في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "كل ذلك يشكل خطورة اقتصادية اجتماعية وحتى أمنية مع غياب الرؤية الحكومية الاقتصادية والمالية التي يمكن أن تنشط القطاعات الإنتاجية التي يمكنها أن تستوعب العاطلين عن العمل وخلق وظائف جديدة مع استمرار عرقلة القطاعات الإنتاجية من قبل التدخلات الخارجية التي تريد أن يبقى العراق سوقاً لتصريف بضائعها على حساب تدمير العراق اقتصادياً ومالياً واجتماعياً".
ويحذّر من أن "ارتفاع أعداد المواليد سنوياً أصبح خطراً متعدد الأوجه، ويجب على الحكومة أن تعمل جاهدة على وضع الحلول اللازمة لاستيعاب هذا العدد الهائل مع ضرورة فرض تحديد النسل في ظل انفجار سكاني مرعب يحمل في طياته مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية ستفرض أعباءً تجعل العراق يعاني لسنوات عديدة مقبلة".
"كما أن الحكومة ترتكب حالياً خطأ كبيراً من خلال هدر المال العام بمشاريع غير إنتاجية والتي هي في الحقيقة تستخدم كدعاية سياسية في ظل احتياج العراق الفعلي للمشاريع الإنتاجية"، يقول الحلبوسي.
ويؤكد، أن "الحل يكمن بضرورة تنشيط القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والاستثمار في القطاع الخاص من أجل تنويع مصادر إيرادات الدولة وتعزيزها، والخروج من ضيق الاقتصاد الريعي إلى رحاب آفاق الاقتصاد متعدد الإيرادات، والذي سيكون الحل الأمثل لانتشال العراق من أزماته الحالية والمستقبلية وخلق مستقل أفضل للأجيال الناشئة والقادمة".
ويكمل، "وكذلك البدء باحتواء العاطلين عن العمل بفرص عمل في القطاع الخاص بقانون يضمن حقوق العاملين ويخفف العبء عن الدولة ثم إعداد الخطط الضرورية لخلق فرص عمل متعددة للأجيال المقبلة، لكي يتجنب العراق الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، أما إذا أغفلت الحكومة عن ذلك فإن المخاطر الناجمة عن زيادة أعداد المواليد سنوياً مع المخاطر الأخرى سوف تؤدي إلى انهيار لا يحمد عقباه".