رؤية أمريكية تحث العراق على "مصادقة البيئة" باستثمار الغاز وإيقاف هدر مالي كبير
شفق
نيوز/ حث "معهد دول الخليج في واشنطن" الأمريكي، الحكومة العراقية على
استثمار فترة الاستقرار السياسي التي وصفها بـ"النادرة"، من أجل التحرك
لمواجهة التحديات المناخية وتكثيف جهود بغداد للحد من الغاز المحترق، والمضي قدما
في مشاريع محطات استغلال الغاز المصاحب، ومحطات الطاقة الشمسية، بما في ذلك
بالتعاون مع "توتال اينرجي" الفرنسية.
وقال
تقرير المعهد الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، بحسب ما ترجمته وكالة شفق نيوز، إنه
"بعد عقود من التقاعس في العمل، فإن العراق يتحرك من أجل تبني استراتيجية
للطاقة أكثر ملائمة للمناخ"، مشيرا الى "تكثيف الجهود بشكل كبير خلال
الأسابيع الماضية، من أجل الحد من الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي المصاحب، بما
في ذلك من خلال الاستمرار في ابرام عقود لإنشاء أول محطة للطاقة الشمسية في البلد".
وذكر
التقرير أنه برغم كون العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك بعد السعودية،
الا انه مستورد للغاز الطبيعي بسبب افتقاره الى الاستثمار في البنية التحتية، حيث
كان يحرق حتى العام 2023 نحو نصف الكمية المقدرة بـ 3.12 مليار قدم مكعب يوميا من
الغاز المنتج من حقوق النفط في العام 2023.
وبحسب
المرصد العالمي لحرق الغاز التابع للبنك الدولي، فان العراق يعتبر ثاني أكبر مصدر
للانبعاثات في العالم بعد روسيا، في حين أن حقل غرب القرنة 2 النفطي، الذي تديره
شركة "لوك اويل" الروسية، يعتبر أكبر مصدر لحرق الغاز في العالم.
عقبة
الكهرباء والغاز الإيراني
وبسبب
هدر الغاز، قال التقرير، إن ذلك اجبر العراق على الاعتماد على واردات الغاز
والكهرباء المكلفة من إيران، وهو اعتماد معقد بسبب العقوبات الاميركية على التعامل
ماليا مع طهران، كما انه غالبا ما تكون كميات الغاز الايرانية اقل من الكميات
المتعاقد عليها، وفي بعض الاحيان تتوقف بالكامل خلال فترات تزايد الطلب المحلي في
ايران.
واشار
التقرير الى انه لم تنجح حتى الان الجهود التي بذلها العراق للبحث عن موردين
بديلين للغاز بما في ذلك من الكويت وقطر.
ولفت
التقرير الى ان بغداد ليست بحاجة الى اعفاءات امريكية من اجل استيراد الغاز
الإيراني مثلما هو الحال بالنسبة لواردات الكهرباء التي تخضع لتدقيق متزايد من
النواب الأمريكيين، الا ان دفع الاموال لإيران يظل عقبة بسبب العقوبات، وهو ما
يؤدي الى تراكم ديون كبيرة على العراق لصالح ايران حيث تقدر حاليا بنحو 11 مليار
دولار.
وبعدما
أشار الى العقد الأخير المبرم مع إيران لفترة خمسة اعوام، ذكر التقرير بان واشنطن
دعت العراق مرارا الى تخفيف الاعتماد على ايران، الا ان بغداد بسبب هذا الاتفاق،
يعني انها لا ترى بديلا لتلبية حاجاتها من الغاز والكهرباء حتى نهاية العقد
الحالي، بينما تواصل تطوير استراتيجية الغاز الخاصة بها، بما في ذلك خطط بناء
محطات جديدة لتجميع الغاز وخطوط الأنابيب والوصلات لربطها بمراكز الغاز، في محاولة
للوصول الى نسبة الصفر من انبعاثات غاز الميثان.
أضرار
بيئية وصحية
واكد
التقرير ان حرق الغاز يلحق الاضرار بالصحة والبيئة في بلد يعاني فعليا من تداعيات
الاحتباس الحراري والذي تسبب بجفاف الأنهار وتزايد ملوحة المياه، والتصحر، ما قاد
ايضا الى تزايد العواصف الترابية، حيث ان الميثان المنبعث من حقول الطاقة، يعتبر
أحد الغازات الدفيئة المسؤولة بقوة عن تغير المناخ.
واستعاد
المعهد الامريكي تقريرا للبنك الدولي يظهر ان حوالي ثلاثة أرباع إجمالي انبعاثات
الغازات الدفيئة في العراق مرتبطة بقطاع الطاقة، خصوصا من النشاطات المرتبطة
بالكهرباء والنفط والغاز والنقل، وانه برغم ان العراق كان مسؤولا عن 0.6% فقط من
انبعاثات ثاني اكسيد الكربون العالمية خلال العام 2020، الا انه لديه "احد
اعلى مستويات كثافة الكربون (الانبعاثات لكل الناتج المحلي الإجمالي)" مقارنة
بالدول الاقليمية والدول المشابهة له من حيث الدخل.
هدر
بالمليارات
وبحسب
التقرير نفسه، فان كمية الغاز التي حرقها العراق بلغت في العام 2020، ما قيمته نحو
2.5 مليار دولار من "الإيرادات السنوية الضائعة"، وهو ما كان من الممكن
ان يوفر 10 غيغاوات من قدرة توليد الكهرباء.
وتظهر
البيانات التي قدمها العراق إلى منتدى الدول المصدرة للغاز الفجوة الكبيرة بين
العرض والاستهلاك المحلي. وفي عام 2023، أنتج العراق 348 مليار قدم مكعب من الغاز
المسوق واستهلك 722 مليار قدم مكعب.
ورأى
التقرير ان خطط معالجة مشكلة حرق الغاز وتطوير حقول الغاز غير المصاحب، تسارعت منذ
قمة الامم المتحدة للمناخ في دبي، حيث كان العراق من بين 150 دولة وقعت على التعهد
العالمي بإنهاء انبعاثات غاز الميثان بحلول
العام 2030.
واشار
التقرير الى ان التوسعات الاخيرة في محطات تجميع ومعالجة الغاز الحالية سمحت للعراق
بحرق ما نسبته اقل من 40% من الغاز المصاحب مقارنة باكثر من 65% قبل عقد.
واعتبر
التقرير ان ذلك تحقق من خلال توسيع اكبر محطات معالجة الغاز، والوحيدة حتى الآن،
وهي "شركة غاز البصرة"، التي تعتبر مشروعا مشتركا بين "شركة غاز
الجنوب" المملوكة للدولة، وشركة "شل"، و"شركة ميتسوبيشي"
اليابانية.
وتابع
التقرير قائلا إن قدرة العراق على التقاط كل الغاز المحترق بحلول العام 2030
للوفاء بتعهداته حول الحد من غاز الميثان، تتوقف على الجهود التي تبذلها
"شركة غاز البصرة" للحد من حرق الغاز من الحقول الجنوبية واستكمال مشروع
تطوير الغاز المتكامل الذي تنفذه شركة "توتال اينرجي".
ولفت
الى ان شركة البصرة التي تأسست منذ عقد من الزمن، توصف بأنها "واحدة من أكبر
مشاريع خفض حرق الغاز في العالم"، وهدفها الرئيسي هو جمع ومعالجة الغاز
لاستخدامه في توليد الطاقة وإنتاج الغاز الطبيعي المسال، والذي يتم تصدير البعض
منه.
واشار
التقرير الى ان نشاط "شركة غاز البصرة" لا يطال حقول الانتاج الرئيسية
الاخرى في جنوب العراق، بما في ذلك حقل غرب القرنة 2 الذي تديره شركة "لوك
أويل" الروسية، وحقل مجنون الذي تديره الدولة، وكلاهما مساهمان كبيران في
انبعاثات غاز الميثان.
واوضح
التقرير ان الغاز المصاحب من هذه الحقول سيكون جزءا من مسؤولية مشروع تابع لشركة
"توتال اينرجي" بحسب عقودها التي تبلغ قيمتها 27 مليار دولار، بما في
ذلك حقل "أرطاوي" النفطي واقامة مركز للغاز ومشروع لحقن المياه ومحطة
للطاقة الشمسية بقدرة 1 جيجا وات.
وسيعمل
مركز الغاز في "أرطاوي"، والذي من غير المرجح أن يتم تسليمه قبل عام
2027، على التعامل مع الغاز المصاحب المنتج ليس فقط في أرطاوي، ولكن أيضًا في حقول
غرب القرنة 2 ومجنون وطوبة واللحيس النفطية.
ومن
المقرر أن يقوم المركز في ذروته بمعالجة 600 مليون قدم مكعب في اليوم من الغاز
الخام لإنتاج حوالي 500 مليون قدم مكعب في اليوم من الغاز الجاف أو غاز البيع.
وتابع
التقرير ان حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منحت الاولوية لتطوير احتياطيات
العراق من الغاز الطبيعي غير المستغلة الى حد كبير، والتي تقدر رسميا بنحو 3.7
تريليونات متر مكعب، حيث ان وزارة النفط، ومن اجل جذب المستثمرين الاجانب، قامت
بتخفيف شروط العقود، وهي اطلقت في تشرين الاول/أكتوبر 2023، جولتي عطاءات جديدتين
تركز على الغاز لـ 30 منطقة بحسب شروط عقود محسنة تمثل نماذج لتقاسم الأرباح بدلا
من عقود الخدمات الفنية المباشرة التي تقديم هوامش ربح محدودة.
خلافات
سياسية
وذكر
التقرير بان خلافات سياسية حول منح العقود في الماضي ثم الهواجس الامنية بعد سيطرة
مسلحي تنظيم داعش في العام 2014، تسببت في تأخير مشاريع تطوير الغاز.
واضاف
انه برغم بعض عقود الغاز والعطاءات الأخيرة ومحاولات الاستكشاف، فان معظم مناطق
العراق لا تزال غير مستكشفة تقريبا، وتسعى الحكومة الى تسريع مشاريع الغاز في
محاولة لإنهاء اعتمادها على الواردات من الغاز.
وقال
التقرير انه من الناحية النظرية، فانه بالامكان زيادة قدرة المعالجة في العراق
بمقدار 1.93 مليار قدم مكعب يوميا بحلول العام 2030، وهو ما سيزيد من قدرة
المعالجة إلى اكثر من 3.2 مليارات قدم مكعب يوميا.
ولفت
التقرير الى انه في حال زادت حصة انتاج النفط العراقي كجزء من الالتزامات تجاه
تحالف "اوبك +"، فان ذلك يعني انتاج المزيد من الغاز المصاحب.
وبحسب
التقرير، فان العراق يخطط لزيادة طاقته الانتاجية من النفط الخام الى 6 ملايين
برميل يوميا بحلول العام 2029، من حوالي 4.7 ملايين برميل يوميا.
واعتبر
التقرير ان العراق متأخر في تطوير موارده من الطاقة المتجددة على الرغم من امتلاكه
إمكانات كبيرة، مضيفا انه برغم اعلانه عن اتفاقيات مبدئية مع عدد من مطوري مصادر الطاقة
الشمسية، بما في ذلك شركة "آكوا باور" السعودية، وشركة "باور
تشاينا" الصينية، وشركة "سكاتيك" النرويجية، الا ان شركة واحدة فقط
هي التي مضت قدما، اي شركة "توتال اينرجي" بمشروعها لتأمين 1 جيجا وات
من الطاقة الشمسية.
الطاقة
الشمسية
واوضح
التقرير ان هدف العراق هو توليد العراق 12 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول العام
2030، الا انه حتى في حال استمرت المشاريع قيد التفاوض كافة حاليا من دون تأخير،
فإنها ستضيف نحو 4.5 جيجاوات فقط وهو ما لن يكون كافيًا لتحقيق الهدف النهائي.
وذكر
بان إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تشير الى انه كان لدى العراق 1599
ميغاواط فقط من قدرة الطاقة المتجددة مع نهاية العام 2023.
ورأى
التقرير أن المضي قدما بمثل هذه المشاريع، بما فيها مشروع الطاقة الشمسية
لـ"توتال اينرجي"، يرجع الى حد كبير الى ان العراق يمر بفترة نادرة من
الاستقرار السياسي، مما يسمح لحكومة السوداني بتسهيل اتخاذ القرارات السياسية، الا
انه لا تزال هناك تحديات كبيرة من بينها وجود الجماعات المسلحة الموالية لإيران
التي شنت مؤخرا هجمات ضد اهداف أمريكية واسرائيلية من الأراضي العراقية، برغم ان
ذلك لم يؤثر حتى الآن على نشاطات النفط والغاز.
لكن
التقرير اكد انه من الواضح ان بغداد ستكون بحاجة الى تغيير مسارها واعتماد سياسة
بيئية أكثر قوة لكي تتمكن من الالتزام بتعهداتها وتجنب ما وصفه البنك الدولي بانه
"العاصفة الكاملة" الآخذة بالتشكل.